“لو تأخر رمضان هذا العام”!

راما الجراح

“لو تأخر رمضان هذا العام”! يقول أبو محمود الرجل الأربعيني واصفاً الوضع التعيس الذي يعانونه بسبب الأزمة المعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد “يعز عليّ أن أقف أمام احتياجات منزلي الأساسية صامتاً لا أستطيع أن أحرك ساكناً”. ويضيف “راتبي الشهري اليوم أصبح يساوي حاجة ولدي الصغير من الحليب والحفاضات وأعجز بشكل كبير عن تأمين فطور لائق لعائلتي المكونة من ٥ أشخاص”.

بهذه الكلمات الحزينة التي تحاكي لسان غالبية الشعب اللبناني استُقبِل شهر رمضان هذا العام، موسم الصفاء الروحي، التُقى والنور، الرحمة والبر، يقوى فيه الناس على التواصل ووصل الرحم، الشهر الذي ينتظره المسلمون خصوصاً كل عام بفارغ الصبر لخوض امتحان الصبر على الصيام وحفظ اللسان، لأداء صلاة التراويح في المساجد، لإنارة الطرقات والبيوت بـ”زينة رمضان”، لاجتماعات العائلة حول مائدة الإفطار، لتزيين مائدة الطعام نفسها بألوان الخضار الطازجة واللحوم الشهيّة، أصبح اليوم يُشكّل عبئاً وهمّاً كبيراً يقع على عاتق كل رَب عائلة الذي بات يُفكر فقط بكيفية تأمين طعام الفطور بعدما كان يفكر بكيفية تزيينها!

الوضع الاقتصادي الذي نمر به في لبنان، وجائحة كورونا التي سال لُعابها السام على العالم بأسرهن وقفا سداً منيعاً أمام العادات والروتين الرمضاني، الطرقات شبه خالية من فوانيس رمضان والإضاءة، يقول صاحب محال المرج مول فايز السيد “الإقبال على شراء زينة رمضان هذا العام خفيف جداً ولا مقارنة بالنسبة للعام الماضي، لقد تعودنا على الإقبال الكبير للناس من العديد من القرى البقاعية على زينة رمضان كل عام فرحاً وابتهاجاً بقدوم هذا الشهر الفضيل”. ويتابع “كان متوقعاً تراجع نسبة شراء الناس للزينة بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار، فبعد أن كنا نبيع كميات كبيرة من الزينة (لتزيين أحياء البلدات البقاعية)، اليوم يقتصر البيع على (شريط إضاءة صغير) كان سعره لا يتجاوز ٣ آلاف ليرة لبنانية، اليوم أصبح سعره ١٢ ألفاً”.

المائدة الرمضانية فقيرة جداً هذا العام مقارنةً بالأعوام السابقة، لا طعم لها ولا لون، تفتقد لوجود “الجلّاب” الذي يُعد من أساسيات هذا الشهر ومن دونه لا تُمد السُفرات، ماركات غريبة عجيبة دخلت السوق اللبناني بجودة أقل من التي تعوّد عليها الشعب اللبناني، وأسعار الخضار ارتفع بغالبية أنواعه إلى ٣ أضعاف السعر الذي كان متعارفاً عليه سابقاً، وفي حديث مع “حسين الخضرجي” كما يعرفه أهالي القرى البقاعية يقول “أجوب في أحياء القرى البقاعية منذ أكثر من ١٠ سنوات لبيع الخضار والفاكهة، لم يمر عليّ أصعب من هذا العام”. وبتعجّب كبير يتساءل: “هل يعقل أننا وصلنا إلى وقت أصبح وجود صحن الفتوش على مائدة رمضان يحتاج إلى تفكير وحسابات؟”، مشيراً إلى أن هذا ما أصبح يحصل معه يومياً حيث أصبحت نسبة تصل إلى ٥٠٪ من الزبائن تُفضل شراء خضار ما يتناسب لصحن سلطة صغير أي (خس وبندورة وحامض) مع الاستغناء عن النعناع الأخضر واستبداله بـ”اليابس”!

وبحزن شديد يروي لنا حسين الخضرجي باختصار أنه “جاءني ولد صغير يحمل ألف ليرة لبنانية في جيبه وطلب مني (كيلو بندورة وربطة بقدونس) بناء على حاجة والدته أول يوم رمضان، ماذا عساي أن أتصرف؟ هل أردّه خائباً؟، أخذت منه الألف ليرة لبنانية وأعطيته ما طلب!

بالنسبة لأسعار اللحوم فحدّث ولا حرج، اللحّام عبدالله من البقاع يقول: “الدولة الفاسدة تدّعي أن اللحوم مدعومة، ولكن بالمقابل لا أحد يُسلّم الملاحم لحماً مدعوماً”. ويضيف: “يباع كيلو لحم الأبقار اليوم في العديد من الملاحم بسعر ٧٥ ألف ليرة لبنانية”. ويتساءل: “على أي أساس يتم ذلك؟ وأين دور الرقابة على هذه الملاحم”؟ ويشير إلى أنه “مع بداية شهر رمضان الذي نعتبره شهر الخير والبركة كانت النسبة القليلة جداً من الناس التي تطلب أقل من كيلو لحم يومياً، أما اليوم فقد تبدلت الأحوال والعكس هو الصحيح، وأغلب زبائني أصبحت طلباتهم تقتصر على “وقية لحمة معلّم”!

طرقاتٌ شبه خالية من المارة بسبب جائحة كورونا، والأطفال يتساءلون عن “قطار رمضان” المفقود، أما المسحر لم يُسمع صوته في أغلب المناطق البقاعية بعد مرور ٣ أيام على بداية شهر رمضان!

وددتُ أن أخصص مقالاً عن أجواء رمضان في البقاع، وأتأسف أن الأجواء الفرحة التي تعودنا عليها لم تُذكر أعلاه، ليس بُخلاً مني، بل طمعاً من الدولة الفاسدة بإعجاز الناس عن الفرح وإقصاء تفكيرهم إلى كيفية إيجاد طعامهم فقط! رمضان كريم!

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً