أسواق طرابلس تُواجه عصابات الخوّات والتشبيح

إسراء ديب
إسراء ديب

فوجئ المواطن فايز.ع. الذي عاد إلى لبنان منذ أسبوع تقريبًا، بحريق شبّ في محلّه الكائن في السوق العريض في طرابلس، فخسر مصدر رزقه الوحيد الذي دفع ثمنه من عمله الدؤوب لسنوات، ليُدمّر بثوان وليتحوّل محلّه من مركز تجميليّ تتوزع فيه بضاعة ثمينة من الاكسسوارات والمكياج والعطورات، إلى مقبرة سوداء مخيفة.

ومنذ اللحظة الأولى التي علم بها فايز أنّ محلّه قد احترق، أدرك مباشرة الفاعلين لأسباب عديدة، تماما كما احترقت محلّات أخرى من قبل مجهولين، وهذا ما يرى أحد أوساط المدينة أنّه من المشاهد المتكرّرة التي لا تُطمئِن المواطنين، وتدفعهم إلى العمل على ضرورة الحفاظ على أرزاقهم قدر الإمكان من أيّ تعدّيات.

في الواقع، تعيش أسواق طرابلس ولا سيما الشعبية منها حالة من التوتر منذ أيّام، وهي مشاكل يُؤكّد متابعون أنّها تستهدف قيام بعض العائلات المسيطرة على بعض أجزاء هذه الأسواق، بفرض خوّة على الكثير من المحلّات للتحكّم بمصيرها، مستغلّين الثُغر الأمنية التي تشهدها الكثير من هذه المناطق. فيما تُؤكّد مصادر أخرى أنّ الخلافات التي تُؤدّي إلى هذه المشاكل غالبًا ما تكون عائلية، ولكنّها تُؤثر بشكلٍ عام في الأسواق، بسبب الاشتباكات التي تقع أو توجّه البعض إلى فرض اتجاهاته بالقوّة، وما يرافقهما من إثارة للقلق والخوف بين الناس. وآخرها المشاكل بين عائلتيّ ع. وج. والتي أدّت إلى حادثة إحراق محل فايز، وبالتأكيد إنّها لن تكون الأخيرة، فضلًا عن الكثير من عمليات إطلاق النار التي تبقى مستمرّة طوال الاسبوع وفي أيّ وقتٍ كان، منها ما يُعرف أسبابها ومنها ما لا يُمكن الكشف عنها فتبقى مجهولة.

وعلى الرّغم من قيام العناصر الأمنية في بعض الأحيان، بفرض حواجز في المدينة إلا أنّ هذه المحاولات تبقى غير كافية في ظلّ رغبة البعض بفرض أجواء من الفوضى المتعمّدة منذ سنوات على هذه الأسواق، التي تحتاج إلى مواكبة أمنية دقيقة حفاظًا على ممتلكات المواطنين من جهة، ولحماية هذه المعالم التراثية من جهة ثانية.

من يُعوض خسارتي؟

لا يرغب فايز في التنازل عن حقّه، والذي يكمن في ضرورة التعويض عليه بعد هذه الخسارة التي يُؤكّد أنّها كانت ضخمة ومن الصعب تعويضها. ويقول لـ”لبنان الكبير”: “رفعت دعوى ضدّ هذه العائلة ويوم الثلاثاء سأتوجه إلى النيابة العامّة، وقد قدرت العناصر الأمنية خسائري بعد الحريق بمبلغ 300 ألف دولار أميركيّ، وهي خسارة صعبة للغاية وغير متوقّعة، خاصّة أنّ مسؤولياتي كبيرة ومختلفة، فأنا متزوّج ولديّ 4 أطفال، كما أنّ البضاعة التي كنت أملكها لم تكن رخيصة أو غير أصلية، بل كانت أصلية وبجودة مرتفعة جدًا وكنت أدفع ثمن كلّ بضاعة بعد شقاء وتعب”.

أمّا عن الأزمة التي تُواجهها عائلته مع عائلة ج. فيُؤكّد فايز، أنّ هذه المشاكل بدأت منذ أشهر، ويقول: “منذ 3 أشهر، وقعت جريمة بعد حصول تلاسن بين شخص من عائلة ج. وبين عمّي، ليقوم أحد الأشخاص في ما بعد بإطلاق النار على قدميّ عمّي، وهو حاليًا عاجز عن السير بعد هذه العملية، لكن الجيش تدخل للحدّ من هذه المشاكل وأجريت مصالحة حينها، لكن يبدو أنّ الأمور ليست على ما يُرام بين الجهتين، والحقيقة أنّه لا ذنب لي بهذه المشاكل ولست مسؤولًا عنها بأيّ شكل من الأشكال، لأنّني لم أتدخل حينها ولا اليوم ولن أتدخل بأسلوب عنيف وانتقامي كما يحسب البعض، فحقّي سأحصل عليه بالقانون فقط”.

ويختم: “الحفاظ على لقمة العيش في هذه البلاد صعب للغاية، وأنا في حالة من الحزن وأتمنى من المعنيين التعويض عليّ، لكن في حال لم أتمكّن من الحصول على حقّي، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله”.

مقرّب من فايز، يُشدّد في حديثه لـ”لبنان الكبير” على “ضرورة تحويل هذا النوع من القضايا إلى قضية رأي عام، لأنّ تكرار مثل هذه الحوادث الأليمة على أصحابها لن يقتصر على مكان واحد، بل سينتشر حيث الفوضى والسلاح غير الشرعيّ، مؤكّدًا أنّ فايز كأيّ مواطن لبناني يخشى على مصدر رزقه الذي خسره كلمح البصر بسبب غياب الأمن الذي يوهموننا غالبًا بأنّهم يقومون بتوفيره لنا، والذي يؤلم أكثر أنّ بضاعته غالية وعلى صاحبها ديون كثيرة”. ويقول: “الحلّ الوحيد هو باتخاذ عقاب صارم بحقّ كلّ من يُؤذي بهذا الأسلوب، وإعادة الحقّ الى أصحابه من دون نقص أو منّة من أحد”.

ولا يُخفي أحد أصحاب المحلّات عدم استقرار الأوضاع الأمنية في الأسواق الشعبية عمومًا، معتبرًا أنّ المشاكل لم تنته بعد بين عدد من العائلات، ويقول لـ”لبنان الكبير”: “حصلت مشاكل كثيرة مؤخرًا بين عائلة ع. وج.، وهي مشاكل أدّت إلى إحراق محلات تجارية منها محل فايز المعروف ببساطته وعدم تدخله بكلّ هذه التفاصيل، لكن أحرق محلّه لأنّه ينتمي إلى هذه العائلة على الأرجح”، مطالبًا القوى الأمنية والجيش اللبناني بضرورة التدخل والتواجد الدائم بين المواطنين لأنّهم بأمس الحاجة إلى الأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

شارك المقال