تشهد بيروت تصاعداً دراماتيكياً في أعداد النازحين الجنوبيين الذين وصلوا إليها الأسبوع الماضي، بعد تصعيد اسرائيلي كبير. وقد تحولت الأمور إلى مرحلة جديدة تماماً مع دخول التصعيد إلى الضاحية الجنوبية، حيث اغتيل الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله، ما زاد من حالة القلق والفوضى في العاصمة.
لم تعرف بيروت طعم النوم، وقد غطت سماءها سحب الدخان ورائحة البارود. ومع تزايد أعداد اللاجئين، تمركز الكثيرون في المدارس والمنازل، ما جعل المشهد الحالي مروعاً، فمن فقدوا منازلهم في الضاحية، افترشوا الطرق وناموا مع أطفالهم في العراء، من دون مأوى أو مستلزمات معيشية.
تكتظ شوارع بيروت بالحركة، حيث أصبح جسر الكولا خيمة للنازحين الذين يفترشون الأرض في طريقهم إلى ساحة الشهداء في وسط العاصمة. ومن لا يجد سقفاً، يُعلق شرشفاً ليحمي نفسه من أشعة الشمس. حتى الكورنيش البحري لم يعد ملاذاً آمناً، حيث يختبئ فيه من هرب من الموت بحثاً عن الحياة، إلى جانب النازحين السوريين الذين يضافون إلى الأعداد الكبيرة.
ترتفع الأعداد إلى الآلاف، وتمتلئ المدارس، ما يجعل بيروت، الملجأ الوحيد المتاح، تعاني من ضغوط هائلة. وعلى الرغم من أنها تُعتبر الملجأ الآمن للكثيرين، إلا أن هذه المعادلة قد تكون مهددة. فقد استهدف العدوان الاسرائيلي فجر أمس الاثنين شقة سكنية في منطقة الكولا، ما أسفر عن سقوط أربع ضحايا وأربعة جرحى، في حادثة هي الأولى من نوعها في قلب العاصمة. وهذه الأحداث تثير القلق حول سلامة المدينة وتعيد التساؤلات حول مستقبلها كملجأ آمن.
محافظ بيروت القاضي مروان عبود أشار لموقع ”لبنان الكبير”، إلى أن البنى التحتية لا تستطيع استيعاب هذا الوضع، محذراً من الأزمات المحتملة مثل انقطاع المياه وتكدس النفايات وسوء تنظيم حركة السير.
أما في ما يتعلق بالتعدي على الممتلكات الخاصة، فأكد أن هذه الحالة تخلق فوضى من الذين فقدوا قراهم وبيوتهم، مشدداً على أن السلطات ستتعامل بحزم مع أي تعدٍ على الممتلكات الخاصة، فحماية هذه الممتلكات هي جزء من الدستور، وأي تجاوز لها يعد طعناً للدولة.
تعمل غرفة إدارة الأزمات والكوارث في محافظة بيروت، التي تضم مختلف الأجهزة من بلدية بيروت والجمعيات الأهلية وغيرها، بلا كلل لتلبية احتياجات النازحين. ومع تزايد الضغوط على هذه الغرفة، أصبح الوضع أكثر حرجاً، ما يستدعي جهوداً مضاعفة لضمان تقديم الدعم اللازم لهؤلاء الذين يعانون في ظل الظروف الصعبة.
وفي حديث لموقع “لبنان الكبير”، أوضح المسؤول الاعلامي في غرفة إدارة الأزمات والكوارث في محافظة بيروت، الملازم أول فادي بغدادي، أن الغرفة تعمل من دون توقف على مدار 24 ساعة، ملتزمة بتلبية احتياجات النازحين الذين وفدوا مؤخراً من الجنوب والبقاع والضاحية نتيجة التصعيد المتزايد.
وأكد بغدادي أن بلدية بيروت تبذل جهوداً جبارة، ولكن الأعداد الهائلة من النازحين تشكل تحدياً كبيراً، فقد فتحت 89 مدرسة لاستقبالهم، إلا أن بعض الغرف التي صممت لاستيعاب سبعة أشخاص، يستضيف أحياناً 15 شخصاً.
ولفت الى أن الفرق المعنية قدمت المساعدة للنازحين الذين وجدوا أنفسهم بين حديقة الشهيد رينيه معوض، والكورنيش البحري، وجسر الكولا، حيث تم تأمين باصات لنقلهم إلى طرابلس والشمال، برفقة فوج حرس بيروت.
وفي ما يتعلق بتوفير المستلزمات الأساسية، ذكر بغدادي بأن هناك تعاوناً مثمراً مع الهيئة العليا للإغاثة، التي تعمل على تأمين الفرش، بالاضافة إلى الجمعيات التي تقدم الطعام والمشروبات ومواد التنظيف، بالتنسيق مع بلدية بيروت.
وأوضح بغدادي أن عدد النازحين في بيروت وصل إلى 28,600 نازح، مع استمرار تزايد الأعداد، مشدداً على أن الفرق تعمل بتضافر الجهود لتلبية احتياجات هؤلاء النازحين، بحيث يضطر عناصر الأجهزة التابعة لبلدية بيروت الى العمل بلا كلل، ما يجعلهم بعيدين عن عائلاتهم في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها النازحون القادمون من الجنوب والضاحية والبقاع.