لطالما شكلت واجهة بيروت البحرية مقصداً للبنانيين والسياح أيضاً، إن كان لمجرد المشي فيها، أو ممارسة الرياضة، ويعتبر فنجان القهوة في عين المريسة أو الروشة أحد التقاليد الأساسية لسكان بيروت وضواحيها، بحيث يعتبرونه متنفساً من ضغوط الحياة، لا سيما أولئك الذين بالكاد يستطيعون تأمين قوت يومهم، اذ يرون في الواجهة البحرية سياحة يمكنهم تحمل كلفتها، بحيث تنتشر المقاهي التي تبيع بأسعار غير سياحية، وحتى الميسورون لهم تقاليدهم في بحر بيروت، فهو مركز جذب للجميع.
بعد اشتداد الحرب أواخر أيلول الماضي، وبدء تحذيرات الجيش الاسرائيلي لسكان الضاحية الجنوبية بالمغادرة، وبسبب الأعداد الضخمة، لم يجد البعض غير كورنيش البحر، ملجأ له ولعائلته، فنصبت الخيم، وانتشرت الفرش، واحتضنت المحال النازحين لمساعدتهم قدر الإمكان. “لبنان الكبير” أجرى جولة ميدانية أمس على الكورنيش، ليستطلع أحوال النازحين، وأعدّ تقريراً مصوراً تحدثوا فيه عن مشكلاتهم ومعاناتهم، ولكن العديد منهم رفض الحديث أمام الكاميرا، وتحدث من دون تصوير، وتعددت الأسباب بين من لا يريد أن يظهر في هذه الحالة أمام أقرانه وأصدقائه، وبين من يعتبر أن أي كلام سيعدّ ضرباً للمعنويات خلال الحرب، فيما البعض الآخر كان لا يريد أن يستفز بيئة “حزب الله”.
أحد النازحين من بلدة حولا قال لـ “لبنان الكبير”: “لقد تهدم منزلي في البلدة، وهي ليست المرة الأولى، ففي حرب تموز أيضاً خسرت منزلي، كأن قدرنا هو أن نعمر ثم يهدم ثم نعيد الإعمار”. وأبدى امتعاضه من قرار بدء الحرب، معتبراً أنها لم تُفِد أحداً بل تسببت في دمار وقتل فقط.
نازح من منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية، تهجر من منزله بعد أن هدمه القصف الاسرائيلي فوق رأسه، ونجا بأعجوبة، حين أخرج نفسه من تحت الركام، ليتوجه مع أفراد من عائلته إلى كورنيش البحر، وكان منهمكاً في إعادة نصب خيمته بعد أن وقعت إثر هبوب رياح قوية.
نازح آخر أخبر “لبنان الكبير” أنه تعرض لنزوح ثلاثي، فهو من البقاع وزوجته من الجنوب ويسكنان في الضاحية الجنوبية، وكل منازل العائلة في دائرة القصف، واضطرت الى أن تتركها والبحث عن مكان آمن، ولم يكن أمامها إلا البحر.
أحد الأطفال النازحين في منطقة الروشة، أشار لـ “لبنان الكبير” إلى أن أكثر ما يفتقده في منزله بالضاحية الجنوبية، هو نومه في فراشه.
إلى ذلك، أكد نازحون آخرون أن وضعهم الآن لا يهمهم، فالمهم أن تنتصر المقاومة، وهم مستعدون للتضحية بكل ما يملكون في سبيلها، أما الحجر فلا قيمة له.
ومن ناحية المساعدات، أكد كل من التقاهم “لبنان الكبير” أن هناك مبادرات فردية بسيطة، ولكن لا عمل منظماً حقيقياً يهتم بشؤونهم. وقال أحدهم إن شباناً يأتون كل فترة ويوزعون وجبات طعام بمبادرة فردية، ولكن الأحزاب والجمعيات شبه غائبة، لافتاً إلى أن إحدى الوجبات التي وزعت كانت فاسدة، وقد رماها النازحون في القمامة بسبب رائحتها “المحمّضة”.
أما عن إيجاد مراكز إيواء للنازحين على الكورنيش، فأوضح من تحدث اليهم “لبنان الكبير” أنه جرى تسجيل الأسماء مرات عدة، ولكن لم يحصل أي شيء بعد، ولم يتم نقلهم إلى مراكز إيواء، مشيرين إلى أن البعض لا يريد الذهاب الى المراكز ويفضل البقاء في مكانه، ولكل أسبابه المختلفة، بحيث يخاف البعض من أن تستهدفها اسرائيل كما فعلت في غزة، فيما البعض الآخر لم يجد مركز ايواء قريباً من عمله، وهو لا يستطيع تحمل كلفة الايجار المرتفعة، وأسباب مختلفة أخرى.