كنز عكار الأخضر في مهب المازوت

إسراء ديب
إسراء ديب

إستفاق أهالي فنيدق العكارية منذ أيّام على كارثة بيئية لم تكن في الحسبان، بعد اكتشافهم قيام عدد من الشبان بقطع وسرقة عدد كبير من الأشجار المعمّرة التي يُجمع الخبراء البيئيون على عدم القدرة على تعويضها، حتّى بعد مرور أكثر من 200 عام.

في الواقع، يعيش الكثير من أهالي عكار على “أعصابهم” مع قرب حلول فصل الشتاء الذي يحتاج إلى الكثير من الجاهزية ولا سيما في هذه المحافظة التي تحتاج إلى المساعدة خصوصا أن الدّولة غائبة أساسًا عنها. ومع غياب مادّة المازوت وعدم قدرة الكثير من البلديات على تأمينها، إضافة إلى قلق العديد من الأهالي من موجات الصقيع المحتملة قريبًا، عمد بعض الشبان إلى القيام بهذه الخطوة التي تُدمّر ما تبقّى من الثروة الحرجية التي تدفع الكثير من السيّاح يوميًا إلى زيارتها واستكشاف قيمتها الكبيرة.

ولا يُمكن إغفال مدى خطورة قطع وسرقة هذه الأشجار، لكن في الوقت عينه تُحاول بعض العائلات العكارية تعويض غياب الدّولة عبر تأمين ما استطاعت إليه سبيلًا لمواجهة هذا الفصل الذي بدأت ملامحه تظهر، بعد سيول وفيضانات اجتاحت عكار مع أوّل “شتوة” بشّرتهم بفصل قاس عليهم وعلى ممتلكاتهم.

أنقذوا غاباتنا

يُطلق رئيس بلدية فنيدق الشيخ سميح عبد الحي صرخة ونداء استغاثة لدفع كلّ الإعلاميين والجهات المعنية إلى ضرورة متابعة هذا الملف الذي يراه أساسيا، ولا سيما مع فقدان أكثر من 500 شجرة معمّرة غير قابلة للتعويض على الإطلاق.

ويقول عبد الحيّ لـ”لبنان الكبير”: “لدينا أراض ثمينة مساحتها حوالي 25 مليون متر وفيها العديد من الأنواع الحرجية المعمّرة كالأرز واللزاب والصنوبر أيّ أنها غابات نادرة، ومع تعاظم أزمة المازوت والخوف من الصقيع والغلاء الفاحش، لجأ البعض إلى قطعها وهذا كارثي، لأنها الوحيدة التي ما تزال تُؤمّن بيئة نظيفة وخضراء وهي من الثروات الوطنية المتبقية في هذه البلاد”.

المؤازرة الأمنية أساسية

ويعتبر رئيس البلدية أنّ هذه الغابات تحتاج إلى مؤازرة أمنية مشدّدة مع ضرورة تأمين مادّة المازوت قبل فوات الأوّان، لافتًا إلى أنّه كلّف حوالي 15 شخصًا بالحماية، فضلًا عن شرطيي البلدية أيّ أنّه لديه 25 شخصًا للقيام بالحماية، لأنّ وزارة الزراعة ليس لديها إلّا موظفيْن ولا يملكان الصلاحيات الكافية، معتبرًا أنّ تفاقم ظاهرة قطع الأشجار ستُؤدّي بالتأكيد إلى احتمال ارتكاب البعض لجرائم قتل وغيرها من الجرائم بسبب الفقر والحاجة.

وخلال رصده للأراضي المسروقة، اكتشف عبد الحيّ قيام شابين في وضح النهار بقطع 5 أشجار صنوبر، ويقول: “من سرق الأشجار نعرفهم جيّدًا وهم شبان بسنّ 16 و17 عامًا وبعد قطعهم للأشجار يرمونها في الوادي مباشرة، وقد تواصلت مع فرع المعلومات ومع المدّعي العام الاستئنافي القاضي نبيل وهبة للقيام بما يلزم، فضلًا عن تواصلنا مع وزارتيّ الزراعة والداخلية سعيًا لوضع حدّ لهذه المهزلة، متمنّيًا إلحاق العقاب المناسب بهم كيّ لا يتجرّأ أحد في المستقبل على السرقة التي ذهبت ضحيتها أشجار الشوح واللزاب وهي من الأنواع النادرة التي سنندم على فقدانها”.

وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، “تمّ تحرير أكثر من 400 محضر ضبط ضدّ هذه الظاهرة، لكن هذه الإجراءات ما زالت غير قابلة للتنفيذ، وفق ما يقول رئيس البلدية الذي يُؤكّد أنّه يتحمّل مسؤولية أيّ أذى شخصيًا بهدف حماية البيئة والثروة التي تجذب السفراء والسياح الأجانب خاصّة أنّ السفيرة السويدية قد أعلمتنا بأنّها ستزورنا قريبًا لجمال الطبيعة التي تحيط بنا، ممّا يدفعنا إلى التمسّك أكثر فأكثر بهذا الإرث الذي يزيدنا فخرًا، وللأسف الكثير من الناس ليس لديهم الوعي الكافي لأهمّية وقيمة هذه الأراضي والثروات التي لا تُقدّر بثمن…”.

شارك المقال