“السوبر ليغ” الأوروبي وُلد ميتاً

لبنان الكبير

لم يصمد مشروع “السوبر ليغ” سوى أيام قليلة، إذ إنّ الضغط الجماهيري الكبير الذي رافق مرحلة الحرب بين الأندية المؤسسة والاتحادين الأوروبي والدولي لكرة القدم، أثمر عن إيقاف الفكرة تماماً، فضلاً عن الخلافات بين أبرز المعنيين في المشروع؛ أي المدربين واللاعبين.

تجميد مخطط دوري السوبر الأوروبي، بعد انسحاب المؤسسين النادي تلو الآخر، أنقذ كرة القدم العالمية من كوارث عدة لو اكتمل المشروع الانفصالي عن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، وعلى الرغم من توقف الفكرة عن النمو في مهدها، إلا إنها «لم تمت» بعدما «ألقت حجراً في الماء الراكد»، بل ستبقى قائمة وفق المفهوم من بيان اللجنة المنظمة للبطولة، والذي تضمن تعبير «إعادة الهيكلة»، ما يعني أنها قابلة للحياة مجدداً، وهو الأمر المتوقع حدوثه قريباً، إذا لم تستطع الأندية مواجهة ديونها المالية الكبيرة المترتبة على الآثار الاقتصادية لانتشار فيروس «كوفيد19».

وخلال الأيام الماضية، لم يكن للعالم أي حديث، سوى عن دوري السوبر الأوروبي، وردود أفعال المسؤولين والسياسيين الغاضبة، ورأى البعض فيها مبالغة كبيرة على اعتبار أن الأمر مجرد لعبة رياضية، إلا أن الأمر أعمق كثيراً وأشبه بـ«جبل الجليد»، إذ لا ترى منه إلا الجانب الصغير المتمثل بقمته، ولكن خطورته في الجزء الأكبر المختفي منه تحت الماء.

واعتمد مؤسسو “السوبر ليغ” في البداية على قوة الأندية الـ12 التي أطلقت المشروع (ريال مدريد، برشلونة، وأتلتيكو مدريد من إسبانيا، مانشستر يونايتد، ليفربول، تشلسي، الأرسنال، مانشستر سيتي، وتوتنهام من إنكلترا، جوفنتوس، ميلان، والإنتر من إيطاليا) وهي الأكثر جماهيرية في العالم، الأكثر قوة تاريخياً والأكثر قدرة اقتصادياً. لكن كأي مشروع أو شركة مثلاً يملكها عدة أشخاص، سيؤدي انسحاب نصف العدد إلى الانهيار سريعاً مهما بلغت قوة الفكرة.

فكرة “السوبر ليغ” قد لا تكون سيئة لكن توقيتها سيء جداً وطريقة تقديمها فيها الكثير من العقبات والشكوك حول النجاح والاستمرارية، خصوصاً أن البطولة غير منبثقة تحت راية الاتحاد الأوروبي أو الاتحاد الدولي لكرة القدم، واللذين يملكان السلطة العليا في تنظيم أكبر البطولات الأوروبية والعالمية عادةً.

وتحت الضغط الجماهيري الكبير على الأرض، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي والذي وصل إلى حد الاحتجاج أمام ملاعب الأندية المؤسسة، وتحت وابل من التصريحات الهجومية للمدربين واللاعبين الذين رفضوا فكرة تأسيس “السوبر ليغ”، لم تجد الأندية الإنكليزية (عصب بطولة السوبر ليغ)، إلا أن تنسحب تدريجياً وترفض المشاركة، لينهار المشروع سريعاً بإقصاء 6 أندية من 12، ما يعني نقطة النهاية. ولاحقاً انسحبت الأندية الإيطالية وأتلتيكو مدريد الإسباني فلم يبق في الميدان إلا ريال مدريد وبرشلونة.

انتهت القصة بإصدار اللجنة المؤسسة لبطولة “السوبر ليغ” بياناً رسمياً أشارت فيه إلى تعليق البطولة من دون إلغاء الفكرة حالياً، خصوصاً أنه لم يتبقَ سوى 6 أندية من المؤسسين، ومن دون الأندية الإنكليزية من الصعب أن يُبصر المشروع النور، لأنها تأتي من أقوى دوري في العالم “البريميير ليغ”، ولا يمكن السير في مشروع ضخم مثل هذا من دونها.

إذاً، الأندية الإنكليزية هي السبب الرئيسي في سقوط مشروع “السوبر ليغ” سريعاً من دون أن يبصر النور، لتُطرح بعض التساؤلات حول قوة المشروع أصلاً، وهل وُلد ميتاً في الأساس دون قاعدة قوية تجعله قابلاً للتنفيذ والتطبيق؟

منذ اليوم الأول لإعلان بطولة “السوبر ليغ” برزت إلى الواجهة صعوبات جمة في عملية تنفيذ الخطة وتطبيقها في الواقع، خصوصاً أن الفكرة ستسير في طريق معارض للاتحاد الأوروبي والاتحاد الدولي لكرة القدم، ما يعني أنها أشبه بسفينة تسير عكس اتجاه الرياح.

عملية تنفيذ بطولة “السوبر ليغ” لم تكن لتسلم من عواقب قاسية على جميع المعنيين بلعبة كرة القدم، لأن “يويفا”، وبمساندة جميع اتحادات كرة القدم في أوروبا، هدد صراحة ومن دون تردد بأنه سيتم إنزال عقوبات قاسية بحق الأندية المشاركة في البطولة، والتي ستصل إلى حدود تدمير كل ما تعرفه الجماهير حالياً من منافسات.

إذاً، كان من شأن تطبيق مشروع “السوبر ليغ”، أن يُنهي مثلاً مسابقة دوري أبطال أوروبا أولاً أو تغييب أقوى الأندية الأوروبية عنها، ما يعني فشلها بسبب زحف جماهير تلك الأندية إلى البطولة الجديدة، وبالتالي انخفاض مستوى الإيرادات والاهتمام بالبطولة الأوروبية الأعرق.

وبرز ثانياً أمر إقصاء الأندية الـ12 الكبيرة من الدوريات التي تلعب فيها، فكيف سيتقبل الجمهور مثلاً غياب برشلونة، ريال مدريد، أتلتيكو مدريد عن “الليغا”؟ أو كيف سيُلعب “البريميير ليغ” من دون “التوب 6” الأشهر، وماذا سيكون مصير التنافس في الدوري الإيطالي من دون جوفنتوس، ميلان والإنتر؟

الانتقال إلى “السوبر ليغ” فجأةً ومن دون تخطيط أو دراسة مُحكمة كان ليضرّ بكرة القدم الأوروبية، ولهذا السبب كان شعار اليومين الماضيين “كرة القدم للجماهير”، وذلك لأن هذا الجمهور سيخسر الكثير من المنافسة الجميلة في أكثر من بطولة أوروبية، وطبعاً لن يتخلى عن الأندية الكبيرة التي يُحبها بسهولة، وبالتالي سيحدث شرخ كبير في عالم اللعبة الشعبية الأولى في العالم.

وعليه، فإن تطبيق الفكرة كان عملية صعبة من الأساس نظراً لكل الصعوبات التنظيمية التي ستُرافق إطلاق “السوبر ليغ”، وكذلك المشاكل التي ستنتج عن الانتقال إلى بطولة أوروبية جديدة، هذا طبعاً عدا عن الضرر الكبير الذي سيلحق بصورة الأندية المؤسسة للمشروع، ما يعني أن البطولة فعلاً وُلدت ميتة لا بل كانت أشبه “بولادة من الخاصرة”.

ربما العاصفة التي شهدتها كرة القدم في الأيام الأخيرة كانت مجرد هز عصا وتنبيه للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، بأنه لا يمكن أن يستمر بالنهج الذي يتبعه منذ سنوات طويلة، خصوصاً في منافسات دوري أبطال أوروبا، لأن أساس المشكلة هو شكوى الأندية الضخمة من عدم حصولها على أرباح مالية تستحقها.

كما أن هذه العاصفة التي كادت تُدمر أشياء كثيرة تعرفها الجماهير في كرة القدم، من شأنها أن تُغير بعض الأمور في العلاقة بين “يويفا” والأندية الكبيرة التي تُعتبر عصب الاتحادات والبطولات، خصوصاً أن رئيس “يويفا” ألكسندر تشيفرين أكد أنه مستعد للتفاوض والوقت لم يفت لتحسين بعض الأمور، وكذلك أكد ضرورة العمل لتوحيد الصفوف من جديد.

فهل تشهد الأيام المقبلة اجتماعات مكثفة بين الأندية الـ12 المؤسسة لبطولة “السوبر ليغ” والاتحاد الأوروبي من أجل تسوية الأمور والوصول إلى اتفاق لتحسين الوضع المالي ونظام دوري أبطال أوروبا، أم أن العاصفة لن تصنع أي فارق وانتهت عند حدود مجرد “انقلاب فاشل من الأندية الكبيرة على “يويفا”؟

خطط انفصالية ومؤسسات موازية

نجاح دوري السوبر الأوروبي كان سيشجع العديد من أندية العالم، على القيام بخطوات مشابهة، وتأسيس بطولات انفصالية عن الاتحادات القارية لكرة القدم التابعة لها، والمؤكد وفق ما نشر من تقارير خلال الايام الماضية، أن أندية من أميركا الجنوبية كانت تترقب عن كثب، خطوات المشروع الأوروبي، سعياً لتقليده في حال نجاحه، وكذلك أندية آسيوية يتركز أغلبها في منطقة شرق آسيا المنتمية إلى كيانات ومؤسسات اقتصادية كبيرة، ومستقبلاً ربما نرى أيضاً، بطولات انفصالية عن الاتحاد الدولي للكرة «الفيفا».

ولأن كرة القدم اللعبة الشعبية الأولى في العالم، خشي القادة السياسيون من انتقال عدوى الانفصال إلى مؤسسات وروابط دولية أخرى، ولذا كان طبيعياً أن تأتي المعارضة القوية والواسعة، من قبل رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إينفانتينو، والذي هدد الأندية المنخرطة في المشروع، بأنه سيكون عليها تحمل عواقب قراراتها، لأن من واجب (الفيفا) حماية نموذج الرياضة الأوروبية.

استكمال مشروع الدوري الانفصالي، كان سيخلق كيانات اقتصادية ضخمة جديدة متمثلة في الأندية المؤسسة، وهو ما يعني توجه جزء أكبر من الاقتصاد العالمي إلى الاستثمار في المجال الرياضي، في الوقت الذي تحتاج فيه الدول إلى توجه استثماري في مجالات تمس الحياة أكثر أهمية، لعلاج الآثار السلبية لتفشي فيروس كورونا، وهو الأمر الذي وضح من خلال ارتفاع أسهم مانشستر يونايتد بنحو 150 مليون جنيه إسترليني، ثم خسارة النادي لنفس القيمة المالية مع انهيار خطط الدوري الأوروبي الممتاز، وكذلك جوفنتوس، والذي شهدت أسهمه ارتفاعاً بنحو 19% في بورصة ميلانو بعد الإعلان عن البطولة، لكن سعر أسهمه عادت وانخفضت بنسبة 4%، ولا تزال تواصل الانخفاض مع تجميد المشروع.

أما الأندية الصغيرة فستكون أكبر المتضررين من نجاح دوري السوبر الأوروبي، لأن القوة الاقتصادية الأكبر ستكون بيد الأندية المؤسسة للمشروع، مع حصولها على الرعاية الأكبر مالياً، مقابل تراجع في أهمية ورعاية البطولات الأوروبية التي ينظمها الاتحاد الأوروبي، إذ لن تشارك فيها وقتها إلا الأندية الأضعف فنياً والأقل جماهيرية، فيما تحصل الأندية المشاركة في الدوري السوبر، حسب ما تردد على ما يقارب 4.19 مليارات دولار، بهدف دعم خططها الاستثمارية ومواجهة تحديات فيروس كورونا المستجد «كوفيد19»، كما كان متوقعاً أن تتلقى تلك الأندية، 10 مليارات يورو أخرى في شكل مدفوعات تضامنية على مدى فترة الالتزام الأولى، وهو ما يوفر عائدات أعلى من كل مسابقات الاتحادات الأوروبية، والبالغة 3.2 مليارات يورو من عائدات النقل التلفزيوني لموسم 2018-2019، قبل جائحة كورونا.

مع تأسيس لجنة منظمة لدوري السوبر الأوروبي، وضمت رئيس نادي ريال مدريد الإسباني فلورنتينو بيريز، رئيساً، وجويل غليزر من مانشستر يونايتد وأندريا أنييللي من جوفنتوس، نائبين للرئيس، أصبح هناك كيان أو مؤسسة موازية لمجلس إدارة الاتحاد الأوروبي، وهو أمر يعني أن إدارة الكرة الأوروبية انقسمت مؤسستين، ومستقبلاً ربما نرى ثلاثاً أو أربعاً أو أكثر من مؤسسة، وكذلك يتوقع الأمر أن يمتد إلى باقي الاتحادات القارية، وربما الاتحاد الدولي للكرة، ما يعني صراعاً أكبر على «كعكة» اللعبة الأكبر شعبية في العالم، وتأثر الموارد المالية وقوة الضغط الجماهيري للبعض.

وعكس تزايد التهديدات من قبل الاتحادات الوطنية الأوروبية، باستبعاد الأندية المؤسسة لدوري السوبر الأوروبي، الخوف من قيام الأندية داخل الدولة عينها بالانفصال عن المسابقات الوطنية مستقبلاً، وهو الأمر الذي أشار إليه نادي وولفرهامبتون الملقب بـ«الذئاب»، بإعلانه الرمزي أنه بطل للدوري الإنكليزي الممتاز لموسم 2018-2019، كنوع من الاحتجاج على تشكيل الدوري الأوروبي الممتاز، من قبل الستة الكبار الأوائل في الدوري الإنكليزي، مانشستر يونايتد، ليفربول، تشيلسي، مانشستر سيتي والأرسنال وتوتنهام، ليضع يده على إحدى السلبيات الخطيرة لمشروع الدوري الانفصالي.

بالتأكيد نجاح مخطط الدوري الأوروبي، كان سيخلق سوقاً غير عادلة لشراء وبيع عقود اللاعبين، وكذلك في قيمتها المالية، إذ ستكون هناك أندية قليلة القادرة على شراء أفضل اللاعبين، وسيكون التنافس بينها أكثر شراسة في رفع قيمة اللاعب مالياً، بعد العائد المالي الكبير المتوفر لديها، وسيكون على الأندية المحرومة من المشاركة في البطولة، الرضا باللاعبين الأقل مستوى، وبالتالي ابتعادها النهائي عن المنافسة على الألقاب المحلية، ما يعني خلق بيئة غير عادلة للمنافسة، كما سيزيد من معاناة الأندية مع ارتفاع فاتورة رواتب نجومها حال إكمال مخطط البطولة الأوروبية، وفاتورة الرواتب هي السبب الرئيسي في الديون التي تعانيها أكبر الأندية الأوروبية، مثل برشلونة الذي يعاني من ديون قصيرة الأجل، قيمتها 730 مليون يورو، وأتلتيكو مدريد، والذي يقوده دييغو سيميوني، وهو صاحب أعلى راتب مدرب في العالم، لتصل فاتورة الرواتب للمدرب مع اللاعبين إلى 348 مليون يورو سنوياً.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً