التونسية أنس جابر تتألق

لبنان الكبير

تدرّبت أنس جابر في ملاعب الفنادق خلال طفولتها، ثم مع الفتيان، قبل أن تحطّم الحواجز وتقف على بعد خطوة تاريخية السبت في  بطولة فلاشينغ ميدوز الأميركية لكرة المضرب، لتسعى أن تصبح أول لاعبة إفريقية وعربية تحرز لقب بطولة كبرى.

انجاز تلو الآخر: أوّل لاعبة عربية في ربع نهائي بطولة كبرى في استراليا 2020، أول عربية متوّجة بدورة احترافية في برمنغهام 2021، الأولى عربياً بين العشرة الاوائل في التصنيف العالمي وصولاً إلى الوصافة، واوّل متوّجة بلقب احدى دورات الالف في مدريد في أيار/مايو الماضين، قبل انجازيها في ويمبلدون في تموز/يوليو الماضي عندما خسرت النهائي، ثم فلاشينغ ميدوز راهناً عندما تلاقي البولندية الأولى عالمياً إيغا شفيونتيك في النهائي.

يذكر ان الجنوب إفريقيات أيرين باودر بيكوك (فرنسا 1927)، رينيه شورمان (أستراليا 1959) وسارة رينولدز (ويمبلدون 1960)، هن الوحيدات من افريقيا اللواتي بلغن نهائي البطولات الأربع الكبرى، في حقبة الهواة التي باتت احترافية في العام 1968.

تسلقت جابر المصنفة خامسة عالمياً القمة بسرعة في غضون عامين، وتبقى فخورة بتونس، وطنها وبلد نشأتها “حيث تدرّبت بين الثالثة والسادسة عشرة او السابعة عشرة”.

وفي مبادرة منها قامت خلال شهر تمّوز/يوليو 2021، ببيع مضربيها في المزاد العلني لشراء معدات طبية ومساعدة المستشفيات في بلادها التي شهدت موجة “تسونامي” من جائحة كوفيد-19، وساهمت في ترميم واعادة تهيئة مدارس ومعاهد في محافظات مهمّشة في شمال غرب تونس.

يُعرف عنها جرأة وصرامة في اللعب ولا تتردّد في أن تتوقف لتطلب من أحد المشجعين التزام الصمت لتتمكن من التركيز.

وصمّمت شركة المستلزمات الرياضية “لوتو” قميصا خاصا بها كُتب عليه “يلّا حبيبي”، في اشارة إلى أن اللاعبة “مصدر إلهام للآخرين”.

مرحة وتسعى دائما إلى التعليق بطريقتها الخاصة، حيث تملك جرأة طلب الاستماع إلى ايقاعات وأغان تونسية بعد كل مباراة انتصرت فيها خلال دورة برلين التي أحرزت لقبها هذه السنة. وتفاعل معها المسؤول عن التنشيط في الملعب وبث لها خصيصا مقطعا من أغنية لفنان الراب التونسي “بلطي”.

كثيرة النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي وتنشر مقاطع فيديو وصورا لجزء من حياتها العائلية الخاصة مع زوجها المعدّ البدني كريم كمّون وكذلك باحتفالها بانتصاراتها بعد كل دورة.

-الوالدة الملهمة-

وُلدت أنس أو “وزيرة السعادة” كما يلقّبها التونسيون في مدينة قصر هلال الساحلية (شرق)، في 28 آب/أغسطس 1994، في عائلة تتكوّن من شابين وفتاتين هي أصغرهم.

عن الدور الكبير الذي لعبته والدتها سميرة في اطلاق مسيرتها، تقول: “والدتي كانت ملهمتي. هي عاشقة كبيرة لكرة المضرب واخذتني الى ناد عندما كنت بعمر الثالثة. كانت تمارس اللعبة مع اصدقائها واقوم انا بالتعليق”. وتابعت “كنت امضي كل النهار سعيدة في النادي لدرجة اني كنت انسى تناول الطعام”.

قالت لوالدتها “+يوما ما ساجعلك تشربين القهوة في رولان غاروس+”.

كانت بداية أنس في محافظة سوسة الساحلية شرق البلاد، في ملاعب على ملك فنادق في المنطقة السياحية، ثم انتقلت إلى ملعب “نادي حمّام سوسة” في ذات المحافظة “بدأت في ناد صغير في بلدتي في المنستير ثم انتقلنا إلى حمام سوسة (شرق). لعبت هناك في الفنادق لعدم تواجد أندية كرة مضرب”.

أردفت جابر التي بدأت خطواتها الأولى بمركز النهوض بلعبة كرة المضرب في المدرسة مع مدربها آنذاك نبيل مليكة، انه “بعد خوض دورات محلية وتحقيق نتائج جيدة، خضت أول دورة دولية في باريس عندما كنت بعمر العاشرة. بعمر الثالثة عشرة ذهبت إلى تونس العاصمة للتدرب والدراسة في الوقت عينه”.

مدرّبها مليكة الذي رافقها طوال عشر سنوات، اكتشف موهبة فريدة بشخصية “تحاول ان تكون المتميزة” على بقية رفاقها من البنات والأولاد كذلك.

-كرة اليد وكرة القدم-

يشرح مليكة الذي رافقها حتى بلوغها الثالثة عشرة “كانت لها قدرات تحكم كبيرة في الكرة، حتى أن مدربين آخرين حاولوا استقطابها لكرة اليد، وفعلا فكّرت أنس بجدية في تغيير اختصاصها لكن تمسّكت ببقائها في رياضة كرة المضرب”.

يقول زميلها السابق عمر العبيدي من أمام ملعب لكرة المضرب يحمل اسمها تكريما لها في “نادي حمّام سوسة” حيث أمسكت البطلة المضرب لأوّل مرة “أتذكر اننا كنا نلقبها روجيه فيدرر” نسبة إلى الأسطورة السويسرية.

تابع “واجهتها خلال التمارين، فرمت كرة ساقطة حاولت اللحاق بها لكني سقطت وكُسرت يدي”. منذ ذلك التاريخ “تلقبني بالخبيزة (باللهجة التونسية تعني المغلوب)”.

انتقلت الى المعهد الرياضي بالمنزه (حكومي يضم نخبة الرياضيين) لتبدأ مشواراً جديدا في “مدرسة رياضة متخصّصة للاطفال الموهوبين وساعدني هذا الامر للتدرب اكثر والتطور”.

أوّل نجاح دولي لجابر كان في بطولة الناشئات في رولان غاروس عندما أحرزت اللقب حيث “توجت في 2011 برولان غاروس للناشئات بعمر السادسة عشرة لكني عانيت كثيرا للانتقال من فئة الناشئات إلى دورات المحترفات”.

عاشقة كرة القدم وناديي النجم الساحلي التونسي وريال مدريد الإسباني، قال عنها مدربها السابق الفرنسي برتران بيريه عام 2020 “لو كان بمقدورها استبدال تمارين كرة المضرب بكرة القدم ستكون الاكثر سعادة”.

-صناعة الفرجة-

بدأت تشدّ الأنظار نحوها خلال بطولة أستراليا المفتوحة عام 2020 (78 عالمياً) وكانت أوّل لاعبة عربية تتأهل لربع النهائي في بطولة “غراند سلام”. وفي حزيران/يونيو 2021 (24 عالمياً)، فازت بدورة برمنغهام لتكون تبعاً لذلك أوّل لاعبة مغاربية تحقق هذا الإنجاز.

قدمت هذا الموسم مستويات مميزة، محرزة لقب دورة مدريد الالف على ملاعب ترابية ووصلت الى نهائي دورة روما الألف أيضاً حيث خسرت أمام شفيونتيك الأولى عالمياً، كما انها رفعت كأس دورة برلين (500) على الملاعب العشبية حيث حققت انجازاً رائعاً ببلوغ نهائي ويمبلدون وخسرت أمام الكازاخستانية إيلينا ريباكينا.

كشفت خلال مشاركتها في ويمبلدون ان التتويج هناك لم يكن حلمها “لن أكذب عليكم، الفوز في ويمبلدون لم يكن حلم طفولتي. كان حلمي دوماً الفوز في بطولة فرنسا المفتوحة (على ارض ترابية في رولان غاروس)”.

يبلغ طولها 1.67 م وترتكز في لعبها الى يدها اليمنى. هي متزوجة منذ عام 2015 من لاعب المبارزة السابق ومعدّها البدني حالياً كريم كمّون ويدرّبها اللاعب السابق عصام جلالي.

يُعرف عن أنس أن لديها أسلوب لعب خاص في طريقة التعامل مع منافساتها خلال المباراة وتبحث عن تقديم العروض الجميلة “هي تكره اللعب بنسق واحد، تبحث دائما عن صنع الفرجة بتنويع اللعب بضربات تفاجئ بها الخصم، وخصوصا منها عبر الكرات الساقطة”، حسب مليكة الذي يؤكد انها “فعلا ملكة الـ+دروب شوت+ منذ زمن”.

لم تتغيّر أنس كثيرا “مرحة وتتأقلم بسرعة حتى مع من لا تعرفهم” مثلما كانت من قبل “مستفزة وتجادل في كل المواضيع بمنافسة كبيرة”. لكنها في المقابل “محاربة وتلعب لآخر لحظة وصعبة المراس، حتى انها تواصل اللعب وهي مصابة”، حسب العبيدي.

 

 

 

 

 

شارك المقال