إنجاز المغرب في قطر… نقطة انطلاق عربية وإفريقية

محمد فواز
محمد فواز

على الرغم من “خيبة” حلولها رابعة في مونديال قطر 2022، لم يكن أكثر المغربيين والمراقبين والمحللين تفاؤلاً يتوقع أن يصل منتخب بلادهم إلى أكثر من الدور الثاني، إلا أن عوامل عدة ساعدت على تحقيق “أسود الأطلس” إنجازا تاريخيا بالتأهل إلى الدور نصف النهائي وخوض مباراة المركز الثالث، ليصبح أول منتخب عربي وإفريقي يصل إلى هذه المرحلة من المسابقة.

العامل الاول هو إقامة المونديال في قطر الذي يعتبر أحد أهم العوامل التي ساهمت في نجاح المنتخب المغربي، خاصة بعدما لقي تسهيلات غير محدودة ودعما ومساندة كبيرين على الصعيد الجماهيري سواء من القطريين أو من مختلف الجاليات العربية المقيمة في الدوحة، إضافة إلى أربعة عوامل أخرى ساهمت في تحقيق هذا الإنجاز، وهي روح الفريق، والإحساس بالمسؤولية، والثقة بالنفس وإمكانات اللاعبين على الصعيد الفردي والجماعي.

ولم يكن النجاح المميز الذي حققه المنتخب المغربي في مبارياته الخمس بالمونديال (وصولا إلى نصف النهائي) وليد الصدفة، بل كان نتيجةً لعمل دؤوب، وعقليات متطورة، خصوصا أن 20 لاعبا من المنتخب من أصل 26 يلعبون في الدوريات الأوروبية الكبرى، أبرزهم أشرف حكيمي وحكيم زياش وياسين بونو. علما أن غالبية لاعبي المنتخب من مواليد أوروبا، وهم تلقّنوا ثقافة الاحتراف جيدا، وظهر ذلك من خلال العقلية الاحترافية سواء في الملعب أو خارجه والالتزام الخططي والتكتيكي للاعبين…

كما أن المدرب وليد الركراكي هو الآخر ولد في فرنسا ولعب في أندية فرنسية وإسبانية وتلقّن الفكر الاحترافي ودمجه مع الروح المغربية المتمثلة في الإحساس بالمسؤولية والدفاع عن ألوان الوطن. الركراكي تمكن من استغلال هذه التركيبة المميزة لدى اللاعبين، وصنع منها منتخبا متجانسا كل فرد فيه يلعب من أجل المجموعة.

وكان لروح العائلة أيضا دور في منح عناصر المنتخب المغربي قوة ونجاحا، إذ كان حضور عائلات اللاعبين وأمهات بعضهم في المونديال دعما نفسيا لهم.

وقد بدأ النجاح المغربي في مونديال قطر بخطوة أولى أمام كرواتيا وصيفة العالم قبل أربع سنوات في مباراة شهدت أفضلية لأسود الأطلس لكنهم أخفقوا في خطف الانتصار واكتفوا بالتعادل من دون أهداف، تلا ذلك أداء مميز ونتيجة رائعة في المواجهة الثانية التي انتهت بالفوز على بلجيكا أحد أبرز المنتخبات الأوروبية، بهدفين نظيفين.

الأداء القوي للمنتخب المغربي على المستوى الفني والذهني في أول مواجهتين أمام كرواتيا وبلجيكا وضع اللاعبين تحت ضغط ومسؤولية كبيرين، للظهور بالمستوى عينه والمتابعة على هذا النهج، وهو الأمر الذي تكلل بالنجاح في المواجهة الثالثة أمام كندا، والتي شهدت الفوز الثاني تواليا في البطولة بهدفين مقابل هدف وتصدر المجموعة السادسة.

تصدر المغرب لمجموعته في دور المجموعات برصيد سبع نقاط، وضعه في مصاف الكبار، وقاده للاصطدام بإسبانيا في الدور ثمن النهائي في مواجهة صنفت من بين أقوى مواجهات هذا الدور، في ظل المستويات القوية التي أظهرتها الكتيبة المغربية، والترشيحات التي كانت تصب لمصلحة الإسبان.

وقد ظن الكثيرون أن مباراة الدور الثاني أمام إسبانيا هي الأخيرة للمغرب على أرض قطر مثل الكثير من المنتخبات التي سبقته وغادرت المونديال مبكرا سواء من دور المجموعات أو الدور الثاني، إلا أنها كانت في الحقيقة بداية الحلم، وهو ما علق عليه مدرب المنتخب المغربي وليد الركراكي: “لماذا لا نحلم بتحقيق اللقب؟ الأفارقة عليهم الحلم بلقب كأس العالم”.

مواجهة إسبانيا والتفوق عليها بدنيا وتكتيكيا طوال 120 دقيقة ومن ثم التغلب عليها بركلات الترجيح، لم يكن أمرا سهلا ولكن المغرب حققه بفضل إيمان اللاعبين بإمكاناتهم وقدراتهم على أرضية الملعب، وفي ظل وجود عشرات آلاف المشجعين الذين يساندونهم في المدرجات.

النجاح المغربي لم يتوقف عند تخطي إسبانيا والتأهل إلى الدور ربع النهائي كأفضل إنجاز في تاريخ البلاد، فقد أصر اللاعبون على متابعة الحلم ومواصلة المشوار نحو الأدوار المتقدمة، وهو ما ظهر جليا في تقديم عرض قوي مكّنهم من التفوق على البرتغال (1- صفر) في أكبر مفاجآت الدور ربع النهائي، والتأهل إلى المربع الذهبي، في إنجاز عاشه الجميع للمرة الأولى في القارة الإفريقية والمنطقة العربية منذ انطلاق كأس العالم عام 1930.

وعلى الرغم من دخول المغرب مباراة نصف النهائي أمام فرنسا بطلة العالم، بحافز كبير ومعنويات مرتفعة لمواصلة المغامرة وخوض النهائي الحلم، إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهيه السفن، فخسر الأسود بهدفين أمام خبرة المنتخب الفرنسي على الرغم من سيطرتهم على المباراة منذ البداية وحتى النهاية وإضاعة العديد من الفرص التي كانت كفيلة بقلب النتيجة.

وبعد توقف مغامرة المغرب عند نصف النهائي ومواجهة كرواتيا مرة ثانية في مباراة المركز الثالث والخسارة أمامه بعد تقديم عرض جيد، إلا أن هذه المشاركة التاريخية وضعت حدا لمسلسل الإخفاقات الكروية التي طبعت السنوات الأخيرة لأسود الأطلس.

وازداد منسوب الثقة لدى المغاربة في أن هذا الإنجاز الذي تحقق في مونديال قطر سيكون بداية لانطلاقة قوية للكرة المغربية.

النجاح الكبير في مونديال قطر، سيجعل المنتخب المغربي يضع نصب عينيه حصد لقب كأس الأمم الافريقية المقررة في ساحل العاج مطلع العام المقبل، خاصة أنه لم يحقق اللقب إلا مرة واحدة قبل 46 عاما، وذلك في النسخة التي أقيمت في إثيوبيا عام 1976.

وحقق المغرب في مونديال قطر العديد من الأرقام القياسية إذ بات أول منتخب عربي يصل إلى الدورين نصف النهائي وربع النهائي في تاريخ نهائيات كأس العالم، إذ كانت أفضل مسيرة لمنتخب عربي هي وصول المغرب في مونديال 1986 والسعودية في مونديال 1994 والجزائر في مونديال 2014 إلى الدور ثمن النهائي.

كما بات المغرب أكثر منتخب عربي جمعا للنقاط في دور المجموعات برصيد 7 نقاط من فوزين وتعادل، علما أن هذا الإنجاز كان من نصيب السعودية التي جمعت ست نقاط في مشاركتها في مونديال أميركا عام 1994 بفوزها على بلجيكا والمغرب وخسارتها أمام هولندا التي تصدّرت المجموعة في تلك النسخة.

وكرر منتخب أسود الأطلس إنجاز تصدر مجموعته في النهائيات للمرة الثانية، بعدما سبق أن تصدر مجموعته في مونديال المكسيك عام 1986 التي ضمت أيضا إنكلترا وبولندا والبرتغال.

وحقق المغرب الرقم القياسي لأطول سجل خالٍ من الهزائم لبلد إفريقي في نهائيات كأس العالم في ست مباريات متوالية، فيما بات ياسين بونو أول حارس إفريقي ينجح في المحافظة على نظافة شباكه لأربع مباريات أو أكثر في المونديال.

شارك المقال