90 دقيقة… كفيلة بإشعال حرب

حسين زياد منصور

كرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية في العالم وشهرة على مرّ الأزمان، تطورت مع مرور الوقت، وعلى الرغم من تعدّد الأماكن والثقافات، بقيت الأكثر إمتاعاً وجماهيرية، وتميزت بروح الاثارة واللعب الجماعي على اختلاف العقليات والاتجاهات.

من بين كل الرياضات في العالم، تعتبر أكثرها إثارة للمشاعر الوطنية والقومية، وأصبحت من وسائل التغني بالأمجاد والعزة الوطنية، فضلاً عن قدرتها على توحيد الأمة أو الشعوب، خصوصاً اذا تحقق إنجاز ما كالفوز في مباريات معينة لها رمزية خاصة، وشهدنا هذه الحالة في مونديال قطر الذي فاق التوقعات، ولعل أبرزها تضامن الجماهير العربية كافة في جميع مباريات منتخباتها، ومرافقة المنتخب المغربي الى الدور نصف النهائي والأداء المشرّف.

صحيح أن كرة القدم توحّد الشعوب، وتعزّز الروح الوطنية، لكنها في المقابل، تشكل عامل توتر في العلاقات بين الدول، ولا سيما في بعض الأحيان اذا كانت متجاورة. نعم لعبة الفقراء هذه قد تولد حرباً، وعلى الرغم من أنها صنعت عظماء وأساطير، وتعد مثالاً للتضامن وتقسيم العمل والتخطيط الجماعي، أصبحت تشكل في الكثير من الأوقات انعكاساً لطبيعة العلاقات الدولية، ومنها علاقات الدول في ما بينها، والعنصرية، والتفرقة، وأرخت السياسة بظلالها عليها، في الوقت الذي تطورت فيه هذه الرياضة الشعبية العالمية.

العديد من المباريات كانت نتيجتها توتر العلاقات بين الدول، ومنها ما أشعل حرباً بين دولتين جارتين، الى جانب المشكلات التي قد تحصل بين الأندية في الدولة الواحدة.

السلفادور والهندوراس

أوقعت قرعة تصفيات بطولة كأس العالم عام 1970، السلفادور والهندوراس في مواجهة حاسمة لتحديد الفريق المتأهل إلى مونديال المكسيك، في الوقت الذي لم تكن فيه العلاقات بين البلدين في أفضل حال في ظل بعض التوترات السياسية.

في مباراة الذهاب، التي أقيمت في الهندوراس، فاز أصحاب الأرض، واعتدت جماهيرهم على السلفادوريين، مما اضطرهم للفرار الى بلادهم تاركين ممتلكاتهم. في الإياب، فازت السلفادور في ملعبها وثأرت من جماهير الهندوراس.

وحددت مباراة ثالثة وفاصلة بين المنتخبين في 14 تموز 1969، وفازت السلفادور وتأهلت، لكن الدولتين كانتا قد نشرتا قواتهما على طول الحدود بينهما. وكانت الشرارة لبدء الحرب بينهما التي استمرت 100 ساعة مخلفة 3000 قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى ودماراً كبيراً، ولم تهدأ الا بعد وساطات من دول عدة.

مصر والجزائر

خلال التصفيات المؤهلة لبطولة كأس العالم 2010، في الجزائر فاز أصحاب الأرض على المصريين بنتيجة 3-1، لترد مصر عليهم وتفوز على أراضيها 2-0. وحددت مباراة فاصلة بينهما في السودان، ووسط أجواء مشحونة من جماهير المنتخبين وصلت إلى الرمي بالحجارة وتدمير سيارات النقل الخاصة بالمشجعين المصريين أقيمت المباراة وفازت بها الجزائر 1-0، وتأهلت إلى كأس العالم في جنوب أفريقيا.

المعركة لم تنتهِ هنا، فبعد نهاية المباراة، تقدم الاتحاد المصري إلى “فيفا” بشكوى رسمية ضد نظيره الجزائري، بسبب تهديد حياة المشجعين واللاعبين المصريين قبل المباراة وبعدها بمختلف الأسلحة من سكاكين وسيوف وغيرها.

وأعلن حينها في خطاب متلفز الرئيس محمد حسني مبارك الذي دخل على خط الأزمة أنه لن يتغاضى عما حدث، فيما أكدت وزارة الخارجية المصرية أن الحكومة المصرية لن تتسامح مع هذه الانتهاكات.

في الأسبوع التالي عقدت جلسة ضمت ديبلوماسيين من أجل ايجاد حل لهذه الأزمة.

الى جانب ذلك، هناك العديد من المشكلات الناتجة عن تحول كرة القدم من لعبة حماسية وترفيهية الى مشاحنات، كالأزمة التي حصلت بين الجزائر والعراق بسبب هتافات للجماهير الجزائرية خلال مباراة جمعت نادي اتحاد العاصمة الجزائري ونظيره نادي القوة الجوية في العراق، اذ اعتبرها الاتحاد العراقي طائفية ومسيئة، فانسحب نادي القوة الجوية في الدقيقة 73 من المباراة، وتطورت الأمور الى أزمة ديبلوماسية بين العراق والجزائر بعد استدعاء العراقيين للسفير الجزائري في بغداد للبحث في الحادث. وطالب العراقيون بتفسيرات مقنعة لهذا السلوك، عبر الهتافات التي رددها الجمهور الجزائري “الله أكبر… صدام حسين”.

هناك أيضاً الأزمة الروسية – الأوكرانية التي تدخلت في كرة القدم، فبعد احتلال روسيا جزيرة القرم قرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تجنب آثار هذه الأزمة وذلك بتوجيه القرعة الخاصة ببطولاته لتجنب وقوع الروس والأوكرانيين في مجموعة واحدة، فضلاً عن حرمان روسيا بعد العملية العسكرية في أوكرانيا عام 2022 من المشاركة في نهائيات مونديال قطر.

ولا يمكن نسيان العداء بين هولندا وألمانيا، والذي يعود الى احتلال الألمان هولندا خلال الحرب العالمية الثانية، وللدولتين منتخبات قوية على الساحة الكروية وتشهد مبارياتهما منافسة شديدة تصل في بعض الأحيان الى العنف والخشونة كما حصل في مونديال إيطاليا عام 1990.

وعلى صعيد الأندية، تعد العداوة الرياضية بين برشلونة وريال مدريد من الأكبر في عالم كرة القدم، ففي العام 1936 خلال الحرب الأهلية الاسبانية، أعدم الجنرال فرانسيسكو فرانكو رئيس نادي برشلونة جوزيب سونيول من دون محاكمته، فبدأ العداء بين برشلونة الذي يرمز الى الهوية الكاتالونية وريال مدريد لكونه يمثل الحكومة الاسبانية. وسخّر الديكتاتور فرانكو كل سبل الدعم المادي والمعنوي كي يتمكن ريال مدريد من احتكار مسابقة دوري الأبطال في نسخته القديمة لمواسم عدة متوالية خلال حقبة الخمسينيات.

وجمعت كرة القدم مختلف الطبقات الاجتماعية، إن كان في التشجيع أو الممارسة، فهذه اللعبة الشعبية ولعبة الفقراء تمكنت من تخطي مختلف الانقسامات والاختلافات، وشكّلت ملاعبها متنفساً للجمهور للتعبير عن رأيه، وتحولت الى ميادين لترديد الشعارات الاجتماعية والسياسية، وانطلاقاً من ذلك يمكن اعتبار الرياضة والسياسة فرعان لمسارٍ واحد، فالسياسة تستغل كرة القدم في الترويج لأهدافها وطموحاتها.

شارك المقال