عدنان الشرقي… حكاية تاريخ وأسطورة مجد

زياد سامي عيتاني
الشرقي ودياب

كابتن عدنان في ذكرى رحيلك:

لو بكيناك حزناً على فراقك، لِما أدخلته من فرح وسعادة الى قلوبنا وقلوب كلّ الأنصاريين، بسيل جارف من دموع من الدماء، حتى يذهب بصرنا وتجف عروقنا، لن نفيك حقك، الذي شاركنا جميعنا بهدره والتفريط به.

عدنان الشرقي… ليس مجرد ظاهرة إستثنائية لكرة القدم اللبنانية، أو أيقونة “الأنصار” الساطعة؛ إنما هو حكاية تاريخ عريق ومشرّف، كتب صفحاته المجيدة المذهبة بقطرات دمه، وعرق جبينه، التي روت كلّ حبة تراب في ملاعب العافية، فأنبتت سنبلة ذهبك، وأزهرت براعم خصبة، وحصدت أبطالاً وبطولات.

عدنان الشرقي… لم يكن رجلاً في ناد، بل رجل حمل ناديه في عقله وقلبه وضميره ووجدانه. تعلق شغفاً وهياماً بـ “الأنصار” منذ طفولته، فنشأ وترعرع وعاش عمره في أرجائه، حتى إلتصق اسمه به كتوأم لا ينفصلان.

تفانى له بلا حدود، حتى بلغ حدّ نكران الذات والذوبان والإنصهار الكليين فيه، ناذراً نفسه لحمل شعلته المتوهجة والمتلألئة، حتى بات هو سنبلته الخضراء (رمز الحياة)، منذ أن كان ناديّاً محليّاً مكافحاً في محلة “الطريق الجديدة” إلى أن صار ناديّاً بحجم الوطن، أدخل لبنان الأخضر لأول مرة في تاريخه، موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية.

وظّف عدنان الشرقي خلاصة ثقافته الكروية، وفكره المتنور، وخبرته المتراكمة والمتجددة، في “الأنصار”، فكان على الدوام يبتكر أحدث أساليب التدريب، والإعداد، والخطط، التي كان سباقاً الى إدخالها إلى الكرة اللبنانية، إيماناً منه بضرورة التفوّق على الذات وعلى محدودية إمكاناتها، للإرتقاء والنهوض بها، حتى تبلغ المستوى الذي يليق بلبنان وسمعته بين محيطه.

كانت قساوته وصرامته في فرض الانضباط والقيم والمبادئ التربوية، قبل الرياضية والفنية على اللاعبين، خلال قيادته للفريق، طيلة السنين المديدة التي تطوّع مديراً فنياً له، تعكسان شخصيته القيادية (المثيرة للجدل)، لما تجمع من صفات ومزايا متناقضة، يجيد تنسيقها وترتيبها وتوقيتها، بما ينسجم ومصلحة الفريق، ما جعل منه قائداً استثنائياً، لا بل ساحراً ماهراً، وقبل ذلك كلّه إنساناً عظيماً في وفائه وإخلاصه وولائه.

وشخصيته القيادية الصلبة المتشدّدة، كانت تخفي خلفها جانباً عاطفياً ووجدانياً مفرطاً، يجعل منه عقب انتهاء المباريات والحصص التدريبية، إنساناً جياشاً بحنانه الأبوي مع اللاعبين أنفسهم، الذين كان يتعامل معهم بكلّ شدة داخل المستطيل الأخضر.

في المقابل، كانت علاقة اللاعبين به، مزيجاً من الوقار والاحترام والخوف والحبّ والمعزّة والإعزاز، فكانوا يهابونه ويخافونه ويحترمونه، ويتقبلون منه (الموشحات المعروفة عنه) ما لا يتقبلونه حتى من آبائهم ربما! وفي موازاة ذلك، كان حبّهم له حبّاً متيّماً، كتيار عاصف من العاطفة الجياشة تنجرف معه قلوبهم بجنون الحب والهوى إليه، فيجدون فيه الأبوة والرعاية والقدوة.

عدنان الشرقي… يا من اعتزلت عائلتك وحياتك الخاصة والمهنية وكلّ العروض المغرية التي تلقيتها، وتفرغت لناديك “الأنصار” (عشقك الأبدي الأزلي)، وأفنيت عمرك فيه، حتى انصهرت روحك ومهجتك بين ثناياه، وصار عدنان الشرقي هو “الأنصار”، و”الأنصار” هو عدنان الشرقي…

يا حكاية تاريخ، ويا أسطورة مجد…

يا صاحب الانجازات الصاخبة الذي رحل بهدوء، سيبقى صدى صوتك “الملعلع” باللكنة “البيروتية” المحببة، يملأ الملاعب والأفئدة والقلوب والتاريخ.

كم جميل أن يكون الغائب، هو الحاضر الأكبر.

حاضر بصوته الهادر في الملاعب، والخافت والهامس في المكاتب.

حاضر بيننا، في يومياتنا، في أحاديثنا، في حكايتنا وذكرياتنا، حاضر في كل تفاصيلنا.

حاضر، كما عرفناه، مشرقاً زاهياً مبتسماً، يملأ الأجواء والأرجاء، والوجدان والأفئدة، محبة ومودة ومعزة.

كيف لا، وهو الحبيب والمحبوب، والقدوة والأسوة… هو لمجد “الأنصار” الباكورة والصيرورة والديمومة، فاستحق عن جدارة أن يكون هو الأسطورة.

عدنان الشرقي… يا صانع التاريخ بفكرك السديد ونهجك الرشيد، حتى بات إسمك يرمز الى التاريخ المجيد، ها نحن اليوم في حضرتك، يا جوهرة النفوس وتاج الرؤوس، يا حاصد سنابل القمح، بطولات وكؤوس، يا من لا يتسع لك المكان، ولا يكفي الزمان، مهما أجدنا في البلاغة والبيان، كي نرد لك بعض الإمتنان والعرفان.

لذلك، سنكتفي بأن نعيش معك بصمت زمن الأحلام، فيما روحك العطرة ترقد عند خالقها في أمان، تدعو لـ “الأنصار” أن يبقى ساطعاً كالبدر ليلة التمام والكمال.


أمين السر المساعد السابق لنادي الأنصار الرياضي

شارك المقال