ومنع الملك هنري “الكورة”!

وليد طوغان
وليد طوغان

أكبر وسيلة للحشد والجماهيرية في العالم بعد عام 1948 هي كرة القدم. لماذا عام 48؟ لا أحد يعرف، لكن دراسة منشورة للفيفا حديثاً قالت هذا الكلام. قالت أيضاً إن شعبية كرة القدم بدأت تتدخل فى السياسة وفى الاقتصاد. أعلى حركة اقتصاد فى العالم في السنوات العشرين الأخيرة، اقتصاديات كرة القدم، وفى مؤسسات الكرة حول العالم أكبر نسبة تربح غير مشروع واستغلال نفوذ أيضاً.

في القرون الوسطى أصدر الملك ادوارد الثالث مراسيم عدة لإيقاف نشاط الكرويين، وإلغاء اللعبة. لكن لم يفلح وقتها لا منشور ولا مراسيم. ظلت جماهيرية الكرة، تناطح جماهيرية الملوك والإكليروس (رجال الكنيسة) فاستمرت محاولات محو اللعبة من أذهان الشارع. آخر محاولات إلغاء كرة القدم بمراسيم ملكية كانت على يد الملك إدوارد السادس. لكن لم يفلح إدوارد، كما سبق ولم يفلح هنري.

فى السبعينات، قال وزير الخارجية الأميركي هنري كسينجر: إن العالم لن يقتنع بأميركا كقوة كبرى إلا عندما تفلح هي في التفوق في كرة القدم كما يعرفها العالم، لا كما يعرفها الأميركيون”.

بدأت الاستراتيجيات الأميركية على قدم وساق لتحويل صناعة الكرة وشعبيتها في الداخل الأميركي من “الرغبى” إلى كرة القدم. وبعد أعوام طويلة من طريقة للعب الكرة على الطريقة الأميركية، مخالفة تماماً للطريقة التي يلعب بها العالم.

ولعدم اهتمام الأميركيين بكرة القدم قصة تروى. فقد عرفت الولايات المتحدة كرة القدم عن طريق الإرساليات الإنكليزية في نهايات القرن السابع عشر.

ولان نزعة القومية الأميركية كانت في أعلاها ذلك الوقت في إطار السعي لتخليص الولايات، التي لم تكن قد اتحدت بعد، من سيطرة الإنكليز، فقد رفض الأميركيون الاهتمام بالكرة كما يلعبها الانكليز، وابتكروا رياضاتهم الخاصة، فظهرت الرغبى ثم البايسبول.

في السبعينات كما لو أن كيسنجر اكتشف أهمية اللعبة، واكتشف ما يمكن أن تفعله اللعبة فى الشعوب وفى الجماهير، ثم ما يمكن أن تفعله الجماهير فى السياسة. وكانت الخطة: تحويل كرة القدم الأميركية إلى كرة القدم التي يعرفها العالم، لا التى يحبها الأميركيون.

لكن للآن، لا تبدو أميركا قوة في كرة القدم. أو قل، لا تزال تفقد أميركا مزيداً من الجبروت، كل فترة، على أساس أن هناك شعوباً ترى أن الطريقة الوحيدة لهزيمة الأميركيين، هي مباراة في المستطيل الأخضر.

أستاذ الاجتماع الراحل قدري حفني، في تحليل رائع وصف كرة القدم بأنها الوسيلة الجماهيرية الاجتماعية الوحيدة المباحة للعنف. أو هي الحرب في الملاعب، بكل تكتيكات الحرب، والخداع والمؤامرات، والتبريرات، والاستغلال… ومن دون أن يمنع كل هذه الموبقات أحد.

أغلب المشاهير لعبوا كرة. أو بدأوا في طفولتهم بلعبها، من ألبير كامو الفرنسي، إلى غابريال غارسيا ماركيز الأميركي الجنوبي. في أميركا الجنوبية يفضلون أن يسموا أنفسهم “لاتينيين”، فهم لا يسمون أنفسهم أميركيين، لأن سياسات أميركا المتوحشة، في استغلال مواطني جنوب القارة الأميركية على مر التاريخ هي التي صنعت الحواجز.

وتخطى مواطنو دول أميركا الجنوبية كل ما صنعه الزمن من حواجز، ويوم مباراة بين واحدة من دولهم وبين فريق أميركي يعتبرونه عيداً كي يلقنوا “همج الشمال” دروساً في الانتصار.

انتصارات كرة القدم هي الأكثر على وجه الأرض شفافية، على الرغم مما يمكن أن يدور خلفها من مؤامرات وخداع ومحسوبيات.

الراحل الرائع نجيب محفوظ قال مثلاً إنه أحب كرة القدم بعدما تابع مباراة في الشارع في طفولته بين فريق مصري وآخر إنكليزي. المباراة كما يقال جرت في ميدان القلعة، وهزم الفريق المصري الفريق الإنجليزى.

يومها قال نجيب محفوظ إنها المرة الأولى التي عرف أنه يمكن للمصريين هزيمة الإنكليز من دون أن يعترض أحد.

شارك المقال