رياضي – حكمة، نجمة – أنصار؛ لدى الاعلان عن هاتين المباراتين في لبنان، إن كان من ناحية كرة السلة (رياضي – حكمة) أو كرة القدم (نجمة-أنصار)، هذا يعني أننا سنشهد معركة على أرض الملعب، بين اللاعبين وبين الجماهير أيضاً. وهذه المعركة لن تكون رياضية وحسب، بل تتجاوز ذلك، فتكون أشبه بمعركة سياسية طائفية في الملاعب بنكهة رياضية.
هذه المشاحنات تحصل في الملاعب اللبنانية، على الرغم من أن المستوى الرياضي في لبنان بمجمله ليس متطوراً وخصوصاً كرة القدم، والنتائج خير دليل، وهذا يعود الى غياب السياسات الرياضية والدعم الرسمي الضروري والأساسي، الا أن “الأدرينالين” لدى الجماهير يرتفع مع كل لقاء ومباراة.
وفي الوقت الذي تحظى فيه لعبتا كرة السلة وكرة القدم، بالجماهيرية الأكبر والأوسع في لبنان، تقسم الأندية وتفرز انطلاقاً من الانتماء الطائفي والمذهبي والسياسي. لذلك نشهد في كثير من المباريات هتافات ونعرات طائفية، تزداد حدتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مع انتهاء المباراة، وهذه الأمور قد تتطور أكثر في حال وقوع إشكالات بين اللاعبين أو بين الجهاز الاداري والفني للفريقين.
رياضي – حكمة
في كرة السلة التقسيم واضح، ولا يتعب المتابع غير اللبناني في فهم الطائفية اللبنانية، رياضي – حكمة، مسلم مسيحي. هذا هو العنوان العريض، وأحياناً تيار “المستقبل” – “القوات اللبنانية” مع العلم أن الطرفين في الاصطفاف السياسي نفسه.
وعلى مدار السنوات الـ 20 الماضية، كان هذا اللقاء الذي يلقب بـ”الديربي” الأكثر متابعة وحضوراً وتشويقاً، وخلال هذه السنوات أيضاً شهدنا التراشق الكلامي الطائفي والسياسي؛ فقد تسمع في قاعة صائب سلام (الرياضي)، الممتلئ بالجمهور الأصفر القادم من مختلف المناطق اللبنانية، التكبيرات وبعض آيات القرآن، أو البسملة، والكثير من العبارات التي تعطي الانطباع الاسلامي للجمهور، وفي احدى المباريات بين فريق الرياضي وفريق الهومنتمن (أرمن) رفع العلم التركي لاستفزاز اللاعبين، ما أثار الاستغراب والامتعاض لدى الكثير من المتابعين. الا أن صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس سعد الحريري تبقى في القاعة وتزينها، تعبيراً عن الوفاء لهما ولما قدماه لهذا النادي.
في الشطر الآخر من بيروت، يقبع نادي الحكمة في الأشرفية، الا أن ملعبه في غزير، حيث الزحف الحكماوي اليه كبير جداً وكل مبارياته خصوصاً ضد الرياضي تكون “Full House”. وكما جمهور الرياضي، جمهور القلعة الخضراء يطلق الشعارات الطائفية والسياسية، من رفع علم “القوات اللبنانية” والصليب المشطوب، وطبعاً تأدية الصلاة قبل بداية المباراة.
هذه المواجهة المشحونة طائفياً، لا تمر مرور الكرام تكتيكياً، فهي معركة قطبي السلة اللبنانية.
وعلى مدى السنوات الماضية، كان لنهائي الدوري اللبناني لكرة السلة نكهة خاصة مع وجود الرياضي والحكمة فيه، وهذا ما افتقدته جماهير كرة السلة خلال السنوات الـ 8 السنوات الأخيرة، على الرغم من أن عدداً من النهائيات كان ينتهي في “المكتب” وليس في الملعب، وذلك نتيجة تحول المباراة الى معركة طائفية في بعض الأحيان، والاعتراض على النتائج أو على أداء الحكام، وهذا ما حصل مرة بين الحكمة والرياضي في الثواني الأخيرة من اللقاء.
كوكتيل طائفي
يعود النهائي هذه المرة رياضي – حكمة من جديد بعد 8 سنوات؛ وعلى الرغم من التقسيم الطائفي حكمة “مسيحية” ورياضي “اسلام”، الا أن جمهور الفريقين “مختلط، اسلام ومسيحية”، فهناك مسيحيون يشجعون الرياضي، وهناك اسلام يشجعون الحكمة. وكذلك الأمر بالنسبة الى اللاعبين على مدار السنوات كلها، منذ نهاية الحرب الأهلية.
وهذا الموسم جاد الحاج (مسلم) مدرب للحكمة، وعمر جمال الدين وأحمد إبراهيم… لاعبون (مسلمون) في صفوف الحكمة؛ والرياضي أمره مشابه، فقائده السابق جان عبد النور خير دليل ونجمه الحالي هايك أيضاً.
شعبية “الدربي” لا تقتصر على العاصمة بيروت، بل تتعداها الى كل المناطق اللبنانية، من الشمال الى الجنوب، ومن البقاع الى جبل لبنان.
ولطالما طالبت إدارة الفريقين وشددت على منع الطائفية في الملعب، وأيضاً العنصرية والسياسة، والاكتفاء بالرياضة والحفاظ على الوجه الحضاري للتشجيع.
نجمة – أنصار
كما في كرة السلة، كذلك كرة القدم اللبنانية، تقسيمها “أفظع”، ويمكن اقتصاره حالياً على التشجيع المذهبي، في ما بين المسلمين.
المعركة الأساسية، و”الديربي”، و”الكلاسيكو”، في كرة القدم اللبنانية، بين قطبي بيروت، النجمة والأنصار. النجمة، جمهوره مميز، وأكبر جمهور في لبنان، ويتجاوز مبدأ الطائفية، ويضم مختلف المذاهب والطوائف، اسلام، سنة، شيعة ومسيحيون. أما الأنصار، فغالبية جمهوره من المسلمين السنة. والمؤيدون لتيار “المستقبل”، يتوزع تشجيعهم بين القلعة النبيذية والفريق الأخضر.
في حين أن أكثرية جمهور فريق العهد، من المسلمين الشيعة، خصوصاً من مؤيدي “حزب الله”.
وخلال المباريات التي تجمع هذه الفرق الثلاثة، تصدح العبارات الطائفية بين السنة والشيعة في الملعب.
أما الدروز، فلهم ناديا الصفاء والاخاء الأهلي – عاليه، وغالبية مشجعيهم، من مناصري الحزب “التقدمي الاشتراكي”.
وفريق الحكمة في كرة القدم، مشجعوه من المسيحيين في غالبيتهم، وتعد المواجهة التي جمعته مع النجمة منذ 20 عاماً من أمتع المباريات التي شهدت حضوراً جماهيرياً كبيراً، تجاوز عشرات الآلاف.
ميزة لبنانية
قد يرى البعض أن الطائفية في الملاعب خطر، ربما ولكنها أيضاً “ميزة” التشجيع اللبنانية، بين كرة السلة وكرة القدم. ولكن بالتأكيد يجب أن تكون لها ضوابط كي لا تتفاقم الأمور، فلا يجب نقل السياسة والطائفية والمذهبية الى الرياضة والملاعب، ففي كثير من الأوقات نجد “مدسوسين” في صفوف الجمهور لتخريب المباريات، ما قد يؤدي الى تهديد السلم الأهلي والعيش المشترك. الا أن التشجيع بطائفية مع إدخال السياسة، يبقى ميزة لبنانية.