نجاح قطر في كسب إعجاب الكثيرين أمر متوقع

لبنان الكبير

خلال الأسابيع المقبلة، سيتوحد العالم حول حدث يتكرر مرة كل أربع سنوات، لكنه هذه المرة يختلف كثيرا عن كل المرات السابقة، وهو بطولة كأس العالم لكرة القدم التي تستضيفها قطر.

وجذبت البطولة السابقة التي استضافتها روسيا حوالي 3.5 مليارات شخص، شاهدوا أجزاء منها على الأقل، في حين شاهد حوالي مليار شخص المباراة النهائية، أو جزءا منها.

وكما يقول المحلل الاقتصادي الأميركي البارز أدريان وولدريدج في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء، لا توجد أي رياضة أخرى في أنحاء العالم تنافس كرة القدم في شعبيتها، مضيفا أن مباريات كرة القدم تتم مشاهدتها في أي مكان فيه إشارة بث تلفزيوني ويمكن ممارستها من جانب أي شخص يستطيع شراء هذه الكرة المستديرة.

وتواصل الرياضة المبهجة انتشارها في العالم، حيث أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ سعي بلاده لاستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم والفوز بها بحلول 2025. وبعد البطولة التي تنطلق في قطر 20 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، ستقام الدورة المقبلة في 2026 في كل من الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. وليس هذا فحسب، بل إن الإحصاءات تظهر أن اللعبة تكتسب شعبية واسعة بين النساء، حيث شكلت الإناث 40% من إجمالي مشاهدي بطولة كأس العالم الماضية.

والحقيقة أن بطولة قطر تتفرد بعدة أشياء تحدث لأول مرة في تاريخ بطولات كأس العالم لكرة القدم.

Adrian-Wooldridge

ولأول مرة تقام كأس العالم لكرة القدم في دولة عربية مسلمة، ولأول مرة تقام في الشتاء لتجنب درجة الحرارة المرتفعة في فصل الصيف حيث كانت البطولة تقام عادة في حزيران/يونيو وتموز/يوليو.

وعلاوة على كل ذلك، وقبله،  فإنها المرة الأولى التي تتحول فيها بطولة كأس العالم لكرة القدم إلى محور لمشروع تنموي عملاق.

وتسعى أسرة آل ثاني الحاكمة في قطر إلى الاستفادة من ثروة البلاد والمتمثلة في الغاز الطبيعي لضمان أمنها وازدهارها على المدى الطويل.

وفي منتصف التسعينيات تم إقامة قاعدة عسكرية ضخمة وهي “قاعدة العديد” ووفرتها للولايات المتحدة ضمن اتفاق أمني بين البلدين، كما جرى إطلاق قناة الجزيرة الرياضية. ومنذ ذلك الوقت تزايد تركيز حكام قطر على الاستفادة من قوة كرة القدم لتحسين سمعة البلاد، وتأمل أن تحقق قطر من ذلك عائدات مالية.

كما اشترت شركة “قطر للاستثمارات الرياضية” نادي باريس سان جرمان الفرنسي وحولته من ناد متداعٍ إلى قوة أوروبية مهمة. وحصلت مؤسسات قطرية عديدة على حقوق رعاية عدد من الأندية الأوروبية الكبرى، مثل ريال مدريد وبايرن ميونيخ وبرشلونة وروما.

وأنفقت  الحكومة القطرية بسخاء لتعزيز الدوري المحلي لكرة القدم وزيادة قوته، وتقوم بالبحث عن المواهب الكروية بين الأطفال القطريين بدءا من عمر 12 عاما.

ومنذ فوزها بحق تنظيم كأس العالم 2022 عام 2010 أنفقت قطر أكثر من 250 مليار دولار على مشروعات التنمية المرتبطة بكرة القدم، وهو ما يزيد بشدة عما أنفقته الصين لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية في بكين عام 2008 والذي بلغ 42 مليار دولار، وما أنفقته روسيا لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية عام 2014 وكان 55 مليار دولار.

والحقيقة أن قطر أنفقت 10 مليارات دولار فقط لإقامة 8 استادات ستستضيف مباريات البطولة، في حين تم إنفاق باقي الأموال لتنفيذ خطة ضخمة لإعادة بناء البلاد، فأعادت بناء وسط العاصمة وأقامت حوالي 100 فندق جديد ووسعت الميناء والمطار، وأعادت بناء شبكة الطرق وأنشأت ثلاثة خطوط مترو ومدينة جديدة تستوعب أكثر من ربع مليون شخص.

ويقول وولدريدج إن هناك شعورا معاديا لدى الغرب ضد مشروع قطر الاستثنائي لاستضافة كأس العالم، بما يفوق العداء لاستضافة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الدورة السابقة في 2018. وتضم قائمة الاتهامات الغربية لقطر القول إن الأسرة الحاكمة تستخدم قوة كرة القدم لتعزيز نفوذها الدولي، وإن أكثر من 6000 شخص لقوا حتفهم أثناء تنفيذ المشروعات التنموية في قطر، وإنه من غير المنطقي إنفاق أكثر من ربع تريليون دولار لاستضافة بطولة رياضية.

وتتحرك عولمة كرة القدم وفقا لقوى السوق الأساسية، إذ إن الفرق التي تستطيع جذب أفضل المواهب الكروية تحقق أكبر عائدات مالية، والفرق التي تحقق أكبر العائدات المالية تجذب أفضل المواهب. وأدى ذلك إلى ظهور دوريات عملاقة لكرة القدم تحتل مكانة بعيدة للغاية عن باقي الدوريات اللعبة في العالم.

وأدى هذا إلى زيادة حركة تجارة اللاعبين بين الدول، فثلاثة أرباع اللاعبين في الدوري الإنكليزي الممتاز، وهو أكبر دوري في العالم من حيث الشعبية، من الأجانب. كما أن أكثر من نصف عدد المديرين الفنيين لفرق هذا الدوري أجانب، ونصف الأندية نفسها مملوكة لأجانب.

والمفارقة أن الالتزام الكامل بقوى السوق يحدث في أوروبا القديمة  المعروفة بترددها في الالتزام الكامل بقيم التجارة، وبخاصة عندما تطبق هذه القيم على أشياء لها قدسيتها الشعبية مثل كرة القدم، التي كانت في الأصل لعبة الطبقة العاملة، ولا تزال مشبعة بقيم الجماعية التي يجسدها شعار نادي ليفربول الانكليزي، “لا تستطيع أبدا السير بمفردك” .

وبينما تأخرت الولايات المتحدة في تبني كرة القدم، ربما بسبب طموحها في جعل كرة القدم الأميركية لعبة شعبية عالمية، أصبحت أوروبا مركزا عالميا للاستثمار في كرة القدم، وسوقا مفتوحة أمام المواهب في اللعب والتدريب من أنحاء العالم، وأقامت الاستادات وبرامج التدريب وفرق الدعم. وكانت الحصيلة أن خمس دول أوروبية فازت بكأس العالم خلال آخر 6 بطولات ما بين 1998 و2018 وشكلت ثلاثة أرباع المشاركين في نهائيات كأس العالم.

ويقول وولدريدج في تحليله إنه يتعين إدراك أن إنفاق قطر لحوالي ربع تريليون دولار سيحقق تقدما كبيرا للبلاد. كما أن القطريين حرروا الكثير من سياساتهم، لاستضافة البطولة بما في ذلك السماح ببيع مشروبات كحولية في الفنادق، مع حرصها في التعامل مع ملف حقوق المثليين.

وأخيرا، فإن لعبة كرة القدم لها سحرها. ويقول وولدريدج إنه بمجرد انطلاق المباريات، سيغرق مليارات البشر في حمّى كأس العالم، وسينسون كل المخاوف بشأن حقوق الإنسان. فكرة القدم ليست لعبة جميلة فقط، وإنما أيضا لعبة لا يمكن التنبؤ بنتيجتها. ودولة صغيرة مثل كرواتيا يمكنها مناطحة الكبار، واللاعبون المجهولون يمكن أن يتحولوا إلى نجوم.

ويتوقع وولدريدج نجاح قطر في كسب إعجاب الكثيرين بما حققته من تقدم.

 

شارك المقال