الهوية الرقمية أكثر من مجرد فكرة… إنها حق إنساني!

حسناء بو حرفوش

يشهد تاريخ الانترنت على بناء هوية المستخدم تقليدياً من خلال تركيبة اسم المستخدم وكلمة المرور، والاحتفاظ بجميع البيانات على أنظمة المزود بصورة مركزية في الأغلب. ولكن مع تطور الويب، ظهرت أشكال جديدة للتحقق من الهوية، ومع ظهور Web3، حانت فرصة السماح للمستخدمين بالسيطرة على بياناتهم، بحيث تسمح التقنيات الجديدة (مثل blockchain)، بالسيطرة الكاملة على البيانات وبالتالي على الهوية الرقمية. وتأتي هذه المعرفات بأشكال عديدة، بما في ذلك الرموز غير القابلة للاستبدال (NFTs) في محفظة فردية ويمكنها متابعة المستخدم عبر جميع الأنظمة الأساسية، مما يسمح له فقط بتحديد ما يعرض وهوية المتلقي، حسب مقال في موقع “فورتشن” (Fortune) الالكتروني.

هذه نعمة كبيرة للمستخدمين وخطوة هائلة نحو ملكية البيانات الحقيقية. ولا يحتفظ المستخدمون بحقهم في المعلومات الشخصية وحسب، ولكنهم يمتلكون أيضاً ملفات تعريف يمكن التحقق منها ومتابعتها أينما ذهبوا في كل من العالم الحقيقي وفي عالم “ميتافيرس” (metaverse). وتتيح تقنية Web3 الاحتفاظ بتاريخ الفرد كله وببيانات اعتماده داخل معرّف رقمي واحد. وقد يشمل ذلك البيانات الاجتماعية والمالية والطبية والمهنية، بالإضافة إلى سجل التسوق وجهات الاتصال وأكثر من ذلك. قد يبدو الأمر وكأن كمية هائلة من المعلومات تخزّن في معرف واحد، ولكن يعتمد معظمنا بالفعل على Big Tech لتخزين هذه المعلومات نيابة عنا.

ويمكن ربط المعلومات الشخصية والاجراءات السابقة بهذه الهوية الرقمية، مما يتيح ملفاً شخصياً حقيقياً يسمح بمتابعة الفرد عبر منصات متعددة. وحالياً، يقتصر تخزين الملف الشخصي على مكانة المستخدم بصورة منعزلة. يبدأ مستخدم LinkedIn من الصفر على Instagram، على سبيل المثال، بغض النظر عن عدد المتابعين الحاليين لديه. ولكن أصبح من السهل إثبات السمعة ونشرها أثناء التجول على الويب. ومن الممكن أيضاً استخدام مقاييس مختلفة للتأكد من أن الجهة التي تحتفظ بالمعلومات مرخصة وليست مجرد روبوت، مما يتيح استخدام الانترنت بأسلوب أكثر شفافية ونزاهة.

ولا يمكن اعتبار مسألة هوية من يتحكم بالبيانات كمسألة تافهة، وهي لا تتعلق بالأمان والخصوصية وحسب؛ بل بالمال أيضاً. فقد جمعت شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة عائدات إعلانات تزيد عن 100 مليار دولار سنوياً، أي أكثر من نصف عائدات الاعلانات الرقمية العالمية. لهذه البيانات قيمة حقيقية، لكنها في الوقت الحالي مملوكة للشركات وليس الأفراد. ويعتمد تجار التجزئة على شراء بيانات المستهلك من شركات التكنولوجيا الكبيرة هذه كأساس للاعلانات المخصصة للعملاء. ومع ذلك، لا يزال الاحتيال يمثل مشكلة كبيرة، وتؤكد حوالي 40٪ من الشركات أن هذه المشكلة تمنعهم من التوسع في الساحة الرقمية.

الآن، ماذا إن قدمت البيانات باستخدام الجهات الآمنة؟ أولاً، تضمن الجهات التجارية الثقة 100٪ من دقة المعلومات التي تتلقاها. كما، لن تشتري هذه المعلومات من جهات خارجية بل سيوفرها المستهلكون أنفسهم، كما يوفر ذلك النفقات العامة الهائلة لهذه الشركات. وهذا مفيد للجميع وسيحفز الاقتصادات المحلية والوطنية من خلال وضع المزيد من الأموال في أيدي كل من المنفقين والشركات. وتتعدد الفوائد عبر العديد من الصناعات الأخرى أيضاً. في المجال الطبي، قد يصادف عدد كبير من التشخيصات الخاطئة بسبب السجلات غير الكاملة وانتشار تاريخ المريض عادةً عبر العديد من المؤسسات التي لا تشارك البيانات دائماً. ستحتفظ الجهات الموثوقة بجميع السجلات الطبية في مجملها وتمكن أيضاً الأفراد أو أفراد الأسرة المعنيين، من تحديد البيانات التي يمكن الوصول إليها وفي أي توقيت. ويمكن تطبيق الفكرة الأساسية على السجلات التعليمية وبيانات الاعتماد التجارية وسجل العمل والتفاعلات عبر الانترنت. ومع ظهور منصات Web3، لا بد من معالجة الهوية الرقمية كحق أساس من حقوق الانسان، بالإضافة إلى كونها ضرورة عملية. ولا يستطيع المستخدمون السماح بمزيد من التحكم في بياناتهم لتقع بصورة أكبر في أيدي الشركات والحكومات لكي يجد الناس أنفسهم أخيراً أمام عالم “ميتافيرس” يحترم استقلاليتهم ويخلق تجربة متماسكة ومستقلة عن النظام الأساس. وهذا يعني أن هذه التكنولوجيا قادرة على إعادة السلطة للأفراد”.

شارك المقال