لن نهاجر…

غيدا كنيعو
غيدا كنيعو

في بلادي طلب رئيس الجمهورية من المواطنين الهجرة، معتبراً أنّه يقدّم لهم الأفضل وما لم يعجبهم ذلك فبإمكانهم الرحيل. في لبنان، وفي عهد التغيير والإصلاح، فقدت الكثير من العائلات أولادها، فهاجر الشباب للبحث عن حضن آخر، غير حضن الوطن، يحتضنهم، ويؤمن لهم فرص العمل، والمال الكافي، والطبابة، وأدنى مقوّمات الحياة.

وبحسب دراسة صادرة عن “مرصد الأزمة” في الجامعة الأميركية في بيروت، فإنّ هذه الهجرة هي الثالثة من لبنان، بعد الهجرة الأولى أواخر القرن التاسع عشر جراء الحرب العالمية الأولى، ثمّ الهجرة الثانية الّتي سبّبتها الحرب الأهلية اللّبنانية.

شبابُ “لبنان الكبير” اليوم انقسموا قسمين: أشخاص لم يستطيعوا التّحمل فهاجروا، وأشخاص قرّروا البقاء وعدم الاستسلام.

الرحيل لا يعني دوماً الاستسلام، لكن البُعد يُصعّب عملية المحاربة ومحاولة التّغيير.

على الرّغم من الأرقام الّتي ما زالت تتزايد عن هجرة الشّباب الّا أن كثيرين لم يغادروا.

كثيرون ما زالوا يحاولون البحث عن فرصة، خلق فرصة، خلق مشروع، متابعة دراستهم.

كثيرون ينتظرون الانتخابات النيابية المقبلة، لأنّ كلّهم أمل بأنّ التّغيير الحقيقيّ آتٍ.

يقول محمد فرس (29 عاماً) الّذي افتتح “سناك” صغيراً في بيروت هذه السّنة أنّه لا يريد أن يهاجر مع أنّ الفرصة في الخارج اليوم أفضل بكثير من الفرصة هنا، لكن يريد البقاء قرب عائلته. لذا قرر وبمبلغ متواضع كان قد جمعه في السابق أن يفتح مطعماً (سناك صغيراً) وهو يعلم أنّ التّحدّيات كثيرة، خصوصاً مع ارتفاع أسعار السّلع، وعدم توافر الكهرباء والمازوت لكنّه رفض الاستسلام. ويقول أنا متأكّد أنّ لبنان سيزدهر من جديد، ويجب أن نبقى هنا لكي يستطيع أن ينهض بنا.

أمّا على الصّعيد العلمي، فكثر قرّروا متابعة دراستهم في لبنان، منهم من لا يستطيع تحمّل تكاليف الدراسة في الخارج ومنهم من بقي بإرادته. فتقول سحر (27 عاماً) طالبة دراسات عليا في علوم الحياة إنّها قررّت البقاء في لبنان مع أنّها استطاعت تأمين دراسة في جامعة فرنسية لكّنها جرّبت السّفر وعاشت سنة في فرنسا خلال فترة الماجستير لكنّها لم تجد نفسها مرتاحة خارج لبنان. هي تريد أن تفيد بلدها وأن تعمل على دراسات يستفيد منها لبنان لا الخارج وكلّها أمل أن تتحسّن الأوضاع.

في هذه الأيام العصيبة، نفتقد رجلاً أعاد المغتربين والمهاجرين الى لبنان، نفتقد رجلاً جعل من ليرته ليرةً ذهبية، رجلاً علّم وأرسل طلاّباً الى الخارج ليعودوا بمشاريع ليزدهر لبنان، نفتقد رفيق الحريري وعهده.

لن نهاجر، ليس لأنّك الأفضل فخامة الرّئيس، وليس لأننا آمنون في بيوتنا الّتي لا نعلم ما تحتها. لن نهاجر ليس لأنّنا “مبسوطون فيك” ولأننا نثق بك. لن نهاجر، لأننا نحن من سيقوم بهذا البلد، لأنّنا لا نريد ترك عائلاتنا، لأننا نأمل، نطمح، ونحاول. لن نهاجر لأنّه قريباً سينتهي عهدك، ونحاول النهوض مجدّداً.

شارك المقال