الشباب اللبناني… نفوسٌ متعطِّشة للكرامة

كمال دمج
كمال دمج

إختُرِقَتْ مِظلَّة الشباب اللبناني في مراحل عديدة – والتي يفترض أن تكوَّنها هذه الفئة لنفسها من دون منَّة من أحد – إنْ عَبرَ محاور داخلية طائفية مناطقية أو عبر صواريخ باليستية مدارةٍ بأيدٍ شريرة انتهجتْ الغزو والإحتلال، فأورِثَ هذا الخرق من جيلٍ إلى آخر حتَّى باتتْ هذه الفئة محاصرة وبحصارها احتُلَّ البلد وشُلَّتْ كل محاولات النهوض به عبرها حتَّى بات السؤال الأصحُّ بأنْ هل من شيءٍ بقي لينعمَ بِه جيل الشباب؟!

وإن أردنا النقاش في الأمور التي يفتقدها الشاب اللبناني في يومياته تزامناً مع أزمةٍ هي الأكثر قسوةً في تاريخ البلاد لأدركنا أن كل السائد بانه نقص هو بالأصل كماليات أمام أمور لو تعمقنا بأثر إفتقادها الآني والبعيد المدى على اندفاعة الشباب نحو تأسيس مجتمعٍ فاعلٍ والدفاع عن الأرض، لَوَجدنا زوال الكيان هو سيِّدُ الحال.

فبالطبع، إنَّ ما تفتقده فئة الشباب هو عينه ما يفتقده الوطن، ففي لبنان لم ننعم يوماً بالسيادة الإيجابية على مجتمعنا الذي يفترض أن نكون له المحرّك الأساس، بل كانت دائماً الزعامات ورؤوس الأموال والوجاهات الفارغة في الصفوف الأمامية وعلى المنابر التي دمَّرتْ وما زالتْ كلَّ الآمال، إضافة إلى المظاهر المسلّحة والميليشيات والتشبيح التي باتتْ ضابط إيقاع الإستباحة والفلتان. وكلبنان أيضاً، يبحث الشاب/الشابة اللبناني عن كرامته عند كل اضطرار لإدخال اليد في “الجيبة” لقضاء ما هو ضروري للبقاء أحياء في هذا المسار المدجج بالألغام.

بدأ الشباب اللبناني يفتقدون قدرتهم على العزم والنشاط الفكري والبحثي والمجتمعي في ظل ما يواجهونه من تحمُّل مبكر للمسؤوليات، وللقدرة على اكتساب جواز سفرهم نحو العالمية ألا وهو المعارف والخبرات – بما أننا بلد مصدّر للنوابغ والمهارات – بعدما انشلَّ قطاع التعليم الرسمي وأُنهكَ التعليم الخاص وتُركتْ الجامعة الوطنية لمصيرها، وبعدما بات التعليم العالي في الجامعات الخاصة لمالكي خرائط الكنوز في هذا البلد المنهوب، عدا عن الطلاب اللبنانيين في الخارج الذين يذوقون الأمرَّين.

إلاَّ أنَّه وعلى الرغم من حدَّة الأزمة، لا يمكن للبناني بطبيعته أن يستمرَّ بالإحباط والتقوقع وسط الويلات اللامتناهية فيهرع عند أول فرصة لإسعاد نفسه بِجُلِّ ما يجنيه كي يكسر الحصار ويبقى على مبدأ حبه للحياة وتفضيله للفرح مهما جارتْ عليه الأيام. لكن هل الحصار السياسي والإقتصادي يُكسر بالطريقة عينها؟!

من المؤكد أنَّه لا بُدَّ من توفُّر العامل النفسي في كلِّ معركة يخوضها الإنسان وخاصة إذا كانت حرباً ضروسا في مواجهة احتلالٍ أمعن وما زال في استغلال الشعب اللبناني وخاصة الشباب لصالح تجارته بالقضية والعقيدة والدين فأفقدهم الحياة، وإذا كانت حرباً على البروباغندا والإدعاءات بكسر الحصار بهدف شَدِّ فئة لا تُلام على تأييدها له لأنَّ أغلبهم يؤمنون بوجود العقيدة.

فلا بُدَّ لنا أن ننهض من كبوتنا وألاَّ نفقد عزمنا في مواجهة كُلِّ من حاصر قدرتنا على القيام بمهامنا كشبابٍ في مجتمعٍ يليق به التحضُّر، حتَّى ولو فقدنا كُلَّ مقومات الحياة.

فجوع البطون يُسكته الفتات… أمَّا جوع الكرامات فصوتٌ صارخٌ لا يُطاق.

شارك المقال