طلاب لبنان في الخارج: غربة في الغربة

كمال دمج
كمال دمج

إنْ كان الجوع كافر فالبطون تسكت بكسرة خبز واللَّه غفور رحيم، وإن كانت الظلمة بائسة والغلاء فاحش والمواد مقطوعة والحدود سائبة والسلطة غافلة وكل ما في الدنيا خراب، فإن الأيام بقليلٍ منها تُصلح كل ما أفسد… (وقولنا هذا على مضض). ولكن ما من أيام تعوّض حرمان طالب من نيل شهاداته أو استكمال دراسته. وما من وجع يضاهي وجع أهل على أولادهم، أو خوف طالب على مستقبله. فهل بات الطلاب اللبنانيون في الخارج يعيشون غربة في الغربة؟

بعد تراكمات عديدة، وبسبب أمور غير متداولة وغير شائعة لسنا بوارد تفصيلها الآن، وصلت الحال إلى ما هو عليه اليوم. وهكذا حلَّتْ أزمة العملة الوطنية غير المتوقعة ضيفاً غير مرحَّبٍ به على الطلاب اللبنانيين مقيمين ومغتربين.

بكلامٍ جداً واقعي ومؤثر يصف مؤسس “الاتحاد الدولي للشباب اللبناني” “دومينيك قرقش” حال الطلاب اللبنانيين في الخارج، وهو طالب أصلاً، فيقول: “السنة الماضية سجل الطلاب اللبنانيون نسبة رسوب مخيفة بسبب التشتت والتشرد والنزوح من الدراسة نحو العمل لتأمين المصروف”.

ويضيف: “وصل بنا الأمر لنقول إن الطالب الذي يأكل معكرونة عادية هو طالب عادي والذي يأكلها مع صلصة أو من يستطيع تناول وجبتين في النهار هو برجوازي، أمَّا الوجبة الثالثة فلننسَ أمرها”.

وعن علاقة الجامعات الأجنبية بطلابها اللبنانيين، يشرح قرقش، أنّهم استطاعوا كاتحاد في بداية الأزمة وخصوصاً في فترة ما بعد انفجار مرفأ بيروت من التواصل مع بعض الجامعات لإعفاء الطلاب من أقساط التسجيل أو تقسيمها على عدَّة أشهر، وتوصّلوا إلى نتيجة على هذا الصعيد على أساس أنَّ قانون الدولار الطلابي سيُقَرُّ ويوضع موضع التنفيذ. “أُقِرَّ القانون وعلمت الجامعات بالأمر ولم تتفهم عدم حصول الطلاب على حوالاتهم لعدم اقتناعها بفكرة الاستعلاء والاستقواء على قانون نافذ”.

وبغصَّة يضيف: ” تخيَّل مع كل الذل والظلم الذي يتعرَّض له الطالب اللبناني في الخارج، وإضافةً إلى طرده لعدم دفعه الأقساط يخرج الطالب من جامعته بصورة كاذبٍ لاعتقادهم أنه يحصل على المال بعد إقرار القانون، ولا يريد أن يدفع”.

ومن مشكلة إلى مشكلة أكبر، يواجه طلاب الجامعات الخاصة في لبنان “مصيبة” رفع الأقساط جراء الارتفاع الجنوني للدولار، هذا حالياً في بعضٍ منها، فمعظمها لم ترفع الأقساط بعد لكنها تتحضر لذلك في العام الدراسي المقبل، ما ينذر بقنبلة موقوتة قد اقترب انفجارها، ويبشّر الطلاب في الخارج بانسداد باب جديد في وجههم وهو باب جامعات وطنهم، كما أنَّ الجامعة اللبنانية غير مؤهَّلة لاستقبالهم.

فويل لبلادٍ صدَرت أجيالها ونوابغها وصدَّت في وجه من بقِي كل سبل البقاء، ولم ترحمهم حتى في غربتهم، أقفلت عليهم آخر الأبواب، وباتوا يعيشون غربة في الغربة، وعندما أرادوا العودة إلى وطنهم ليكملوا الحياة بالحدِّ الأدنى، لم يجدوا حياة.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً