أصوات الشباب فرصة لإنقاذ لبنان

يارا المصري

أشهر قليلة تفصلنا عن الانتخابات النيابية؛ حدث يراهن عليه اللبنانيون باعتباره الثورة الحقيقية، أو الفرصة الحاسمة للتغيير. فبعد أربع سنوات كانت الأصعب في تاريخ لبنان لما شهده من فوضى عارمة، بدءاً من انتفاضة 17 تشرين وما تبعها من انهيار سياسي واقتصادي واجتماعي، وانفجار مرفأ بيروت الذي هز لبنان بأكمله تاركاً ندوباً لن تمحى من أجساد ونفوس اللبنانيين. تأتي تلك الانتخابات لتبشر بفرصة قادمة لتغيير الواقع الحالي.

يراهن لبنان اليوم على العنصر الشبابي باعتباره الفئة الأكثر تضرراً من الانهيار الحاصل. فما حدث في السنوات الأخيرة كان كافياً ليزيد حقدهم على الطبقة السياسية التي كانت السبب الرئيسي وراء كل ما يعانيه الشعب.

يدور النقاش اليوم حول اقتراح تعديل المادة 21 من الدستور اللبناني وخفض سن الاقتراع من 21 إلى 18 سنة، هي خطوة لاقت ترحيباً من فئة الشباب المتحمسين لدحر الطبقة المهترئة التي دمّرت كل ما لديهم من طموحات وآمال. وقد قدّم ذلك الاقتراح كل من كتل “المستقبل”، “اللقاء الديمقراطي”، و”التنمية والتحرير”، إلّا أن مقابل ذلك ما زال هناك كتل رافضة للتعديل ما يزيد احتمالية إسقاط الاقتراح.

إنّ كل ما مرّ به لبنان في السنوات الأخيرة كان كافياً لزيادة وعي الشباب السياسي، فبعد ثورة 17 تشرين وما نتج منها من مجموعات معارضة أغلبها من الشباب والمراهقين، زاد حماس الشباب السياسي وأصبح معظمهم مستعداً لخوض مغامرة تغيير الوجوه الحزبية القديمة لخلق لبنان جديد يحكمه قرار الشباب.

يخطئ من يعتبر بأن من هم في سن الـ18 لا يمتلكون الوعي السياسي الكافي للاقتراع، لأن هؤلاء هم الأكثر حرية واستقلالية ويمتلكون قدرة أكبر للتغيير، فمعظمهم من طلاب المدارس والجامعات القلقين على مستقبلهم الضائع في بلد غير مستقر، كما أنهم على الأغلب لم يتعرضوا لضغوطات من أحزاب السلطة. بينما تزداد الهيمنة الحزبية على قرار من هم في العشرينات باعتبارهم في السن المناسبة لسوق العمل مما قد يدفعهم إلى اللجوء للأحزاب كوسيلة لإيجاد فرصة عمل أو احتمال قبولهم رشوة مقابل التصويت، مما يعني أنهم الأكثر عرضة لارتهان الطبقة السياسية. لذا فإن خفض سن الاقتراع هي فرصة لإشراك عدد أكبر من الشباب المنتفضين والمتحررين في عملية التغيير.

لقد لجأت العديد من الدول لخفض سن الاقتراع منها النمسا مثلاً والتي كانت أول دولة أوروبية تقرر خفض سن الاقتراع إلى الـ 16 عاماً بحجة خفض هيمنة كبار السنّ على القرار السياسي وفسح المجال أمام الشباب لحرية اختيار مستقبل البلاد. في حين تعتمد بعض الدول على سن الـ18 مثل فرنسا والصين واوستراليا وغيرها. لذا، فإن خفض سن الإقتراع والذي غالباً ما تعتمده الدول الديمقراطية يهدف إلى التجديد، ففي لبنان، ما زال معظم من هم فوق الثلاثين متأثرين بالحرب الأهلية وما ولّدته من أحزاب تقليدية أثبت فشلاً ذريعاً بإدارة الحكم وتقسيم البلاد وشد العصب الطائفي. لذا فكلما زادت نسبة الشباب المشاركين في عملية الإقتراع، تزيد فرصة التجديد.

إنّ رفض خفض سن الاقتراع من قبل بعض الكتل، يعود لأسباب طائفيّة بحتة. فبحسب الإحصاءات، إنّ خفض سن الاقتراع قد يزيد عدد الناخبين حوالى 280 ألفاً، 67% منهم مسلمون مقابل 33% مسيحيون، لذا فإنّ معارضة هذا القرار يأتي من الأحزاب المسيحية. من هنا فلا يمكن تشبيه الحالة اللبنانية بأي بلد آخر، لأن الطائفية تقف عائقاً أمام أي قرار يبشّر بتغيير محتمل، لذا فمن المتوقع أن يدفن هذا الاقتراح نظراً لعدم توافق جميع الكتل عليه.

إنّ الطبقة الحاكمة اليوم في حالة تخبط، تحاول بكل ما لديها من سلطة إجهاض أي قرار من شأنه تهديد استمرارها، وما زالت تحاول شد العصب الطائفي لسد أي منفذ يحرر لبنان من هيمنتها وتسلطها. والشباب اللبناني على وشك الاستسلام، فرغم رغبتهم بالتغيير، ما زالت العوائق التي تخلقها السلطة الحاكمة تعيق قدرتهم على التقدم. إنّ الانتخابات القادمة هي بطاقة عبور من لبنان تحكمه طبقة فاسدة عقيمة، إلى لبنان جديد يديره الشباب البناني بكل ما لديهم من قدرات ومهارات، وأمام اللبنانيين فرصة واحدة لا غير، فإما استغلالها وإنقاذ لبنان، أم إضاعتها وخسارة لبنان وشبابه.

شارك المقال