تخفيض سنّ الاقتراع… هل المرحلة مواتية؟

كمال دمج
كمال دمج

يواجه الشباب اللبناني اليوم تعدياً كبيراً، لا بل عدواناً على عقولهم وفكرهم وعلى قوَّة تأثيرهم في المسار العام للسياسات في البلاد، سواء من معظم الأحزاب الساعية لتضييق الخناق أكثر على مفاصل الدولة تمهيداً لمشاريع استعمارية، أم من حركات ومجموعات عدة ادَّعت الثورة وما زالت، فاستهدفت أحاسيس الشباب وأقحمت في عقولهم عناوين جداً معقدة لا قدرة لهم على تفكيكها وتحليلها والسعي الصحيح لتحقيقها، هذا إن كانت قابلة للتطبيق أصلاً.

فما مدى قدرة من هم في الثامنة عشرة اليوم إن مُنِحوا حق الاقتراع في ظل هذا التخبط والانقسام وزحمة الشعارات على الاختيار الرشيد لممثليهم؟

منطقياً، إنَّ الإنسان الذي يكتسب أهليةً مدنية (سن الـ18 في لبنان) تمنحه حقوقاً وترتّب عليه مسؤوليات نتيجة تصرفاته بحكم تمتّعه بالعقل والإرادة، لا يمكن أن يكون مجرَّداً من بعض حقوقه السياسية التي تخوِّله اختيار ممثليه في المؤسسات الدستورية. لكن عملياً، إنَّ إرادة الإنسان في لبنان مخطوفة ومغطاة بعباءة “الديموقراطية” وإنَّ اختيار معظم الممثلين ليس إلا اختياراً لِدُمى ناطقين باسم الرأس الأكبر.

إنَّ إرادة الشباب في لبنان مخطوفة (وبخاصة بعد 17 تشرين)، إرادة مُكَبَّلة بالوهم والمثالية والعناوين الفارغة كـ: تغيير النظام، استقالة الجميع، استرجاع الأموال المنهوبة، إسقاط حاكم المصرف المركزي، دولة مدنية… وغيرها من العناوين المحصَّنة عقائدياً كـ: المقاومة، معادلة الردع، حقوق الطوائف، حماية الصلاحيات… والتي معها دخلت عقول الشباب في دوامة يكون الاستقرار فيها قعراً من الاستسلام لفوضى النظريات واختيار الممثلين بالقُرعة.

هذا المانع الواقعي لمسألة تخفيض سن الاقتراع إلى 18 سنة، أمَّا دستورياً وسياسياً فالمسألة شبه مستحيلة أيضاً بحيث إنَّ سن الاقتراع محدد في الدستور (المادة ٢١) ويحتاج تعديله لموافقة ثلثي أعضاء المجلس النيابي، الأمر الخيالي حالياً في ظل الانقسام وحالة الطلاق بين معظم الكُتل النيابية ومقاربة الأمر من الناحية الطائفية بالنسبة لفارق الأعداد بين المسلمين والمسيحيين، فهذه المسألة هي أشبه بالاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وقد تفتح معها باب تعديل الدستور، لا بل نسفه ونسف الجمهورية واختراع نظام جديد.

لذلك، ومن منطلق خوض المرحلة الانتقالية ما بين الجمهورية الثانية والثالثة ربما أو بين السقوط وبداية النهوض، لا بُدَّ أولاً من النضال لإرساء منهجية بناء إنسان وطني عاقل يدرك المعنى الحقيقي لصوته في صندوق الإقتراع، يدرك أنَّه الأصل في كل حال، إنماءً كان أو خراباً، يُدرِكُ أنَّه المصدر الوحيد للشرعية وأنَّ الحرية وحدها تبني الأوطان… ومن بعدها فلنناضل بصفتنا محركاً أساسياً للمجتمع للحصول على حقنا الطبيعي في تقرير التوازنات وتركيب المعادلات وفق ما تقتضيه مصلحة لبنان.

تخفيض سن الاقتراع أمر بدهي لا بُدَّ من حصوله، لكن ليس في هذه المرحلة وفي هذا التوقيت!

شارك المقال