“المجد لكاتم الصوت”… شعارهم الخبيث

كمال دمج
كمال دمج

خلال مرحلة ما بعد العام ٢٠٠٥ امتداداً حتَّى اليوم، نُزعَتْ صفة “أم الشرائع” عن العاصمة اللبنانية بيروت وكُرِّس فيها نهج إلغاء الرأي الآخر ومُجِّدَ فيها كَتمُ الصوت وفَرضُ إملاءات “الوصي اللعين” بالقمع والإستبداد، فحلَّتْ الأحكام العرفية الميليشياوية نظاماً، والإصبع المرتفع مطرقة عدالةِ اللاعدالة، والصوت الباعق صوت الفجور والحق الزائف. لقد مورستْ على بيروت أبشع الجرائم والإعتداءات وحلَّتْ عليها أشدُّ الكوارث فتكاً بفعل فاعلٍ وعن سابق تصوُّر وتصميم من دون أي مجال لإصدار حكمٍ بالمرتكب مع أنّه معروف وظاهر للعيان.

فكيف لعدالة أن تُرسى في لبنان بوجود دويلة داخل الدولة، تسيطر على مسرح الجريمة التي تكون قد رسمته قبل التنفيذ أصلاً، وعلى الأجهزة والمؤسسات والقضاء بلا حسيب أو قادر جبار سوى اللَّه؟

ولعلَّ التحقيقات في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري – بغض النظر عن الحكم الصادر – وما تبعها من جرائم اغتيال لرموز ثورة الأرز، من أوضح وجوه العدالة الضائعة في لبنان بعد الطائف، إذ أنَّ الإستشهاد كان مصير كل مدافع عن السيادة والاستقلال ومطالب بالحقيقة بوجه الإحتلال وكل مطالب بدولة لبنانية مزدهرة، من دون القدرة على الوصول لجوهر المعلومات حول كيفية التخطيط والتنفيذ. لكنَّ الرأي العام المحلي وحتَّى العربي والعالمي كان على علم دائم بالعدو الأول للاستقرار في لبنان.

قانونياً، إسرائيل هي العدو الأول للبنان، وهي أيضاً المتهم الأول وربما الأوحد من قبل مدَّعي المقاومة والسيادة الوطنية (وهم العدو الأول واقعياً) في كلّ “ضربة كفّ” تحصل على الأراضي اللبنانية، إلاَّ أنَّه وبقدرة قادر، يتحوّل العداء المطلق – إن كان موجوداً أصلاً – إلى استنسابية في العداء، لا بل إلى تبرئة مطلقة وفق ما تقتضيه المصالح الإقليمية واستراتيجيات الإستعمار، وهذا ما يحدث في قضية مرفأ بيروت اليوم.

فبسياسة القمع عينها، تُواكَبُ عمليات التحقيق في كارثة ٤ آب بسلسلة ممنهجة من العوائق والموانع من الوصول إلى الحقيقة. فكاتم الصوت ما زال يعمل، فبأقل من سنة على الكارثة “طار” أول محقق عدلي ويكاد يطير الثاني (بغض النظر عن توجهاتهما السياسية وصحة عملهما في الملف)، “والحبل على الجرار” طالما تحوّل قصر عدل بيروت إلى ثكنة تتقاسمها جميع الأحزاب، ومعهم الثورة الهمجية، ويحكمها حاكم البلاد بسلاحه، فيهدد القضاة ويخلعهم ويعينهم ويجبرهم على تنفيذ ما هو حلوٌ له ومُرٌّ مُرٌّ على البلاد.

وإن كان من أملٍ باقٍ في نفوسنا نحن الشباب، فالأمل كل الأمل بالقضاة الجدد الشباب، حاملي لواء العدالة والشجاعة ونصرة الحق والحكم بما توليه عليهم ضمائرهم وحسهم الوطني. إنَّ الأمل بجيل جديد وُلِد من الشدائد شديد العزم على بناء مجتمع متحضّر متحرر من الطائفية والمصالح الشخصية والمحسوبيات…

نعم يبقى الأمل، ويبقى شامخاً لبنان على الرغم من بطشهم.

شارك المقال