الكرة في ملعب القضاء اللبناني

جاد فياض
جاد فياض

تستعر المواجهة بين السلطتين السياسية والقضائية على خلفية تحقيقات انفجار مرفأ بيروت. التحقيق العدلي، بشخص المحقق القاضي طارق البيطار، مصمم على استكمال التحقيقات بعيداً من أي تدخل سياسي لإصدار القرار الظني المتعلق بالملف من دون الخضوع لأي ضغوط، في حين أن جزءًا من السلطة، ممثلاً بـ “حزب الله” وحركة أمل وتيار المردة، غير راضٍ عن أداء المحقق، ويتهمه بالاستنسابية وبتسييس الملف.

وبمعزل عما قد يتوصل إليه التحقيق، اذ ان النتيجة غير معلومة حتى الآن والقرار الظني لم يصدر بعد، فإن المرحلة التي وصل اليها لجهة استدعاء وزراء سابقين وإصدار مذكرات توقيف بحقهم قد أعادت إلى اللبنانيين بعض الأمل بامكان وجود قضاء مستقل وجريء يتخذ قرارات، بعد أن كان الأمل شبه مفقود، خصوصاً أنه لا يخفى على أحد غياب الثقة بالقضاء اللبناني والايمان باحتمال وصول التحقيقات في انفجار المرفأ إلى أي نتيجة.

انعدام الثقة بالقضاء يعود إلى سببين، الأول هو عدم اعتماد فصل السلطات بشكل كامل في لبنان، اذ إن السلطة السياسية، الممثلة برئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء، مرتبطة بشكل مباشر بالسلطة القضائية، وما مرسوم التشكيلات القضائية المُحتجز عند رئيس الجمهورية إلّا خير دليل. أما السبب الثاني، فهو يكمن في التجارب السابقة، وعدم وصول التحقيق المحلي إلى أي نتيجة فعلية في تلك الملفات المصيرية، كسلسلة التفجيرات والاغتيالات التي استهدفت قادة وشخصيات ثورة 14 آذار.

بالعودة إلى ملف تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، تبقى القرارات التي يصدرها القاضي البيطار حبراً على ورق طالما أن تنفيذها متعذر على أرض الواقع، فحتى الآن لم يتم توقيف أي من الوزراء الذين صدرت بحقهم مذكرات توقيف، إلّا أن الوقع المعنوي كان كبيرا، فالتخبط الذي يعانيه الأطراف المعنيون بملف التحقيقات مريب، ومحاولات كف يد القاضي طارق البيطار ما هي إلّا اشارة مهمة تحتمل الكثير من التفسيرات.

“كاد المريب يقول خذوني”… بهذه العبارة، يردّ قسم من اللبنانيين على محاولات المعنيين إطاحة المحقق العدلي، خصوصاً ان ارتياب الشخصيات نفسها بقاضيين مختلفين هو أمر مريب أيضاً. مع العلم أن المحقق العدلي السابق القاضي فادي صوان تم إبعاده عن الملف سابقاً. ويرى هؤلاء أن خلف هذا الارتياب ايحاءات بأن من يتهرب من التحقيقات يتحمل مسؤولية بشكل أو بآخر عما حصل في ذلك اليوم المشؤوم.

وفي سياق متصل، طرح عمل المحقق العدلي علامات استفهام لجهة الاستدعاءات، خصوصاً أنه لم يستمع لكل من كان له علاقة بالملف، مما أعطى هامش مناورة للفريق الرافض للتحقيقات، للطعن بشفافيتها، ولو حتى معنوياً، إذ إن الطعن القانوني الذي تمثل بطلبات الرد وكف اليد، سقط. وهنا، لا بد من الذكر أن رفض مسار التحقيق هو أمر مشروع، لكن المواجهة تكون في القضاء وعبر القانون، وليس في السياسة أو الشارع.

سيبقى المسار القضائي المذكور محط شكوك في الفترة المقبلة، إذ حتى المتفائلون ينتظرون ما اذا كانت تستمر وتيرة العمل على ما هي عليه، او تبدّل ما سيحدث. المستقبل وحده كفيل بكشف ما اذا كانت الأمور ستصل الى ختامها او ستضيع مع محاولات تمييع الحقيقة، إلّا أن القضاء أمام فرصة مهمة لإثبات جدارته واستعادة الثقة، بمواجهة الضغوط السياسية والشعبية، التي تمثلت بتعليق عمل الحكومة واحداث الطيونة.

شارك المقال