طموحاتي الكثيرة…

جودي علام
جودي علام

إنّ من يزعم أن طموحات الإنسان، وأحلامه، أكبر من قدراته، إنّما هو متوهم لا طامح، فغالباً ما يكون الطموح أعظم من جرأة صاحبه، وأكبر من قوة العزيمة والإرادة لديه.

ولكن، في بلادنا المجروحة الضعيفة، طموحاتنا تتعدى الإمكانات، وتتجاوز أهمية الجرأة والاندفاع، لأننا ببساطة مكبّلون بما يمنعنا من المشي قدماً، ومعلّقون بما يحجب عنا رؤية المنال وإدراك الابتغاء.

لو لم تكن بلادنا في حالنا هذا، لحقّق معظم الشباب طموحاتهم هنا لا في الخارج، ولبرعوا فيها جُلّها، بل وجميعها.

لو لم تكن بلادنا في حالة فوضى لتميّزنا في ربوع وطننا، لا في الغربة، وللمعنا بما نملكه من أفكار على ما نملك من أرض، لا في أرض مستأجرة غريبة.

لو لم تكن البلاد في حالتها هذه، لحقّقت أكبر طموحاتي التي لطالما خطّطت لها وحلمت بها.

كنتُ وجدتني واقفة على مسرح واسع، أتكلم عن نِعَم الحياة، أشرح للناس أن النقم تكون أحياناً نِعَم، أزرع فيهم من الأمل بسمة، ومن التحفيز خطوة، وببضع دقائق أعطي فكرة، وربّما عبرة، يصفقون لي، فأصفق لهم أنا بعد فترة.

كنت افتتحت مركزاً كبيراً، يرضي تطلّعات المثقفين والطامحين، مركزاً لذوي الاحتياجات الخاصة ولذوي الصعوبات التعلمية، نساعدهم، ندرّسهم، نقوّيهم، ونشجّعهم.

نجهّز الصفوف، ننظّم المكان، ونشرف على الأساتذة وعلى الأطفال.

كنتُ حوّلتُ، بمركزي، مفهوم الاحتياجات الخاصة لخاصيّة جديدة تُدعى الامتيازات الخاصة. وكنتُ حوّلت مفهوم الصعوبات التعلمية لآخر يُدعى التسهيلات اللامتناهية.

وكنّا حوّلنا هذا المركز في أيام العطل لمركز تدريبي مهمّ، نأتي بأهم المدرّبين ليلقوا المحاضرات ويقدموا الورشات التدريبية لكلّ فئات المجتمع، فنحسّن طريقة تعاملنا، ونتعلم مهارات الحياة.

ندرّب الشباب والأمهات والأساتذة والطلاب، ندرّب المزارعين والعمال، ندرّب الموظفين والمدراء، فنبني مجتمعاً مميّزاً بكل طبقاته، وكل أركانه، مجتمعاً مُنظّماً، مقدّراً للوقت، مجتمعاً مديراً ممتازاً للأزمات والمخاطر، مقنعاً ومؤثراً، مجتمعاً فخوراً بنفسه.

كنّا أسّسنا لمجتمعٍ قائد…

لو لم تكن البلاد في حالها هذه، كنت طمحتُ إلى أن أكون مدرّبة تلقّت الكثير عن فنون التحفيز وسبل التأثير، كنت طمحت إلى أن أكون يداً تبني طموحات الشباب، وتبعدهم عن طريق الخوف من الفشل، ليتجاوزوا كلّ عقد المجتمع وكلّ أفكار المستقبل المجهول الذي ينتظرهم، وكنت أغلقت طريق الإحباط وحاولت منعه من التسلل إلى نفوسهم.

لو لم تكن البلاد في حالها هذه، كنّا سعينا لتقدير الضعيف والابتعاد عن تصنيف الأطفال وعن تفريقهم حسب القدرات والإمكانات، وكنّا بنينا ثقتهم بأنفسهم، مهما وكيفما كانوا.

ومن خلال مركزنا، كنّا اتّقينا، بفن الأسلوب وبسلاسة التعامل، بفرادة الأهداف وبغنى الرؤى، شرّ الإحباط والكسل، وشرّ الشباب اليائس، كنا تشبّثنا بالأمل.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً