الحريري يحيد عن الذئاب بزلزال الاعتزال

كمال دمج
كمال دمج

ترجّل سعد الحريري واختار طوعاً تعليق عمله السياسي كـ”حمل” يحيد عن ذئاب تنهش في جسد لبنان طمعاً بالمال والسلطة على انقاض وطن أُعدَّتْ له العدَّة ليكون جزءًا ملتهباً من محور التطرف والإرهاب. يحيد الحريري وتياره، بقرار حازم ومن دون مواربة، عن المشاركة في سلطة تؤمّن الغطاء الشرعي لسياسة تهجير اللبنانيين وتشتيتهم عبر رهن لبنان ركناً أساسياً في المشروع الإيراني.

لقد كان وقع “نبأ الإعتزال” شبيهاً، بلا مبالغة، بنبأ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري على لبنان ككل وعلى الطائفة السنّية خصوصاً، هذه الطائفة التي أُلبستْ ثوب التطرف كقناعٍ ليتخفى به إرهاب الميليشيات ومشروع الدويلة في لبنان، هذه الطائفة التي ضحَّت بأعظم من لديها لتحرير لبنان ولإرساء السلام والحفاظ على الكيان. نعم، لقد جاء تعليق العمل بالحريرية السياسية، الحاضنة للسنّية الوطنية والمنتهجة أسلوب التنمية الشاملة على مساحة الوطن إن كان عبر جيوش المتعلمين أو عبر تنوع المشاريع والصداقة مع “بكركي” على قاعدة “وقف العد” والعيش الأخوي المشترك، جاء تعليقها كنتيجة متأخرة لزلزال ١٤ شباط، وليكون أيضاً تعليقاً بصورة لا تقبل الشك لوثيقة الوفاق الوطني (الطائف) التي أُخِّر اغتيالها بفضل تضحيات سعد رفيق الحريري الذي تلقى عنها ألغاماً زرعها منتهجو الطائفية والمناطقية.

بكل تأكيد، إن قرار الحريري قد أثلج قلوب “جوقة الإنتهازيين” اللاهثين الطامحين إمَّا لوراثة الزعامة منه أو للحصول على لقب “دولة الرئيس” أو “سعادة نائب بيروت” عبر التعامل مع الشعب على أنهم شركاء في استغلال جوعه وضعفه وحيرته لتجيير أصوات أبتْ وستأبى من جديد بالتأكيد إعطاء الشرعية لتاجر مشبوه كان ينام في أحضان “حزب الله” في خضم صراع السياديين مع الإحتلال السوري والسلاح الإيراني، أو لمتملق ناكر شارك في “تسميم” الزعامة الحريرية وطعنها كلما سنحت له الفرصة مستغلاً موقعه في “تيار المستقبل” وثقة القيادة به، فكان مهندس التسوية ومن المغرّدين أفضل الألحان في أذن سعد الحريري عن أهمية الإستمرار فيها بهدف تسوية أموره أكثر من تحت الطاولة التي انقلبت عليه وعلى غيره باستقالة زعيم الغالبية السنّية من السلطة إثر “حراك ١٧ ت١” وبتقديم اعتذاره عن تشكيل حكومة محاصصة واليوم بانكفائه حتى إشعار آخر عن مجمل العمل السياسي المباشر.

لقد شقَّ قرار الحريري هذا قلوب اللبنانيين وأبكى عيونهم التي ما زالت تبكي رفيق دربهم وعراب زمن استقرار بلادهم ونموها، لقد ذكّرهم بتفاصيل ١٧ سنة من النضال والصراع من أجل إبقاء لبنان سيداً حراً مستقلاً ولؤلؤة الشرق وأرض الخيرات كما أرادها الفكر الحريري، لقد أعادهم ليستذكروا شهداء ثورة الأرز ومآسي ٧ أيار وحكومات اللون الواحد وتعطيل البلد وشلّ المؤسسات، لقد عادوا ليزرعوا في ضمائرهم، على الرغم من الملامة (غير المحقة وفقاً لواقع السياسة اللبنانية)، وفاءً وعهداً لسعد الحريري بأن لا تخلي عنه ولا عن زعامته الوطنية وأن يؤكدوا رفضهم للمتسلقين شاحدي الزعامة بالـ”Online”.

بغصَّة وحرقة، استودع سعد الحريري البلد الحبيب لبنان وفي جعبته وقائع لا يعلمها إلاَّ هو، وهو الذي قطع على نفسه وعداً بالإنسحاب حين يصبح الأمر للدم والرصاص، لقد استودع شعباً ضحى سنيناً من أجل بقائه آمناً بعيداً عن لهيب المنطقة ونار الخلافات، لقد تراجع سعد الحريري كي لا يكون شريكاً في جعل اللبنانيين مهجَّرين كشعوب سوريا والعراق واليمن، ليعود إليهم بعد حين أقوى ومعه لبنان جديد.

شارك المقال