قوارب الموت… خيار أخير

جاد فياض
جاد فياض

كلٌ منا مشروع مهاجر، فما عاد وطنُنا يتّسع لطموحنا، فرغم أن أحلامَنا لم تكن أكبر من لبنان. باتت الهجرة هي الأمل الوحيد بحياةٍ كريمة تليق بنا، بعدما اختبرنا كل أنواع الذل في بلدنا الأُم. وقد لا تعكس الأرقام حقيقة الواقع، إلّا أنها تُنبئ بموجةِ هجرةٍ كبيرة جداً، في حال سنحت الظروف.

لا شك في أن فيروس كورونا كبحَ جماح اللبنانيين، إذ وبسبب القيود التي فرضتها معظم دول العالم في محاولة لاحتواء الجائحة، تراجعت أرقامُ المهاجرين، من 66,806 في العام 2019، إلى 17,721 في العام 2020، دون احتساب أعداد المسافرين غير المهاجرين، علماً أن العددَ الأكبر ترك البلاد بعد انفجار مرفأ بيروت. كما وأن ارتفاعَ سعر صرف الدولار وعدم قدرة اللبنانيين على تأمين العملة الخضراء نقداً، قد يكون أيضاً عاملاً معوّقاً حال دون ركوبهم أول طائرة تركن عند باب الخروج.

يحتاج لبنان اليوم إلى أصحاب الاختصاص والخبرة من أجل إطلاق عملية التعافي، بعدما أثبتت السلطة الحاكمة فشلَها في هذا السياق، إلّا أن غياب محفزات البقاء أضاع على لبنان الفرصة. إذ وحسب الأرقام، فقد هاجر أكثر من 1200 طبيب، بالإضافة إلى 120 أستاذاً في الجامعة الأميركية، كما ومن المتوقع أن يسافر 2100 مهندس سنوياً، في وقت بلغت فيه نسبة البطالة في البلاد 40%.

إن التنمية البشرية المستدامة التي تسعى مختلف الحكومات إلى تحقيقها، تتطلّب نمواً اقتصادياً يؤمّن الرفاه الاجتماعي للمواطنين. أما الطاقات البشرية، فهي أحد أركان الازدهار التنموي للاقتصادات، وبالتالي التفريط بها يعني خسارة لبنان احتمالية بلوغ الهدف المنشود. قد يرى البعض في هجرة الشباب فرصةً للخريجين الجدد، إلّا أن افتقار هذه الفئة إلى الخبرة سيؤدي إلى تراجع جودة الإنتاج على صعيدي الصناعة والخدمات، ما سيرتّد سلباً على الاقتصاد.

حقق أصحاب النهج التدميري أهدافهم بالاستيلاء على السلطة ومقدرات الدولة، ودمروا بطريقهم أحلامنا. فالهجرة هي النتيجة الحتمية لسوء الإدارة والحوكمة. الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، بالإضافة إلى غياب الفرص، هي من الأسباب الرئيسية التي تدفع باللبنانيين إلى الخارج.

موجة هجرة كبيرة متوقعة في المدى المنظور بعد معاودة فتح الدول مطاراتها، خصوصاً في ظل انعدام الأفق في لبنان. تشهد السفارات إقبالاً غير مسبوق لتقديم طلبات الهجرة، ورغم أنها لن تُقبل بمجملها، إلّا أن ذلك يُظهر نية اللبنانيين الحقيقية ورغبتهم في المغادرة، وعندها، قوارب الموت قد تكون هي الخيار الأخير.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً