“فورة ١٧ تشرين”… غوغائية ومثالية قاتلة

كمال دمج
كمال دمج

ما زالت الشعارات الإرتجالية لـ “فورة ١٧ تشرين” تؤثر في الواقع اللبناني وفي عقول الفئة المتأثرة بها على نحو يكاد يكون تدميرياً للمجتمع اللبناني على المديين المتوسط والبعيد بصورة أفظع بكثير مما ارتكبته الأحزاب السياسية التقليدية في الفترة الماضية، حيث أنَّ المثالية والطوباوية والغوغائية في التعاطي مع الملفات والمفاهيم الأساسية تفقدها القيمة المطلبية المحقة وتضعها فقط في خانة “الهبرجة” والسعي للظهور.

فقد رفض الحراك، منذ انطلاقته، عبر وجوهه البارزة، فكرة التمثُّل بقيادة معينة تماشياً مع شعار رفض الزعامات والقيادات وحصر القرار بفكر واحد، قناعة منهم بأن اختيار قائد هو تحجيم “للثورة” وتخلٍ عن مشهديتها الجامعة، فكان المطلب الأساس إجراء إنتخابات نيابية ظناً منهم أنَّ الجو العام في البلد سيفرز وجوهاً جديدة تعمل باسم “الثورة” من أجل التغيير من داخل المؤسسات، وهذا ما ينطبق مع المنطق السليم، لكن هل استكمل الحراك السير به؟

لقد أنتجت الضغوط الدولية، وكذلك الخوف لدى البعض من تمديد ولاية ميشال عون، إرادةً حاسمة بإجراء الإنتخابات النيابية في موعدها بعد تذليل مجمل العقبات (ما لم يطرأ ما هو مفاجئ)، وبطبيعة الحال، كان يفترض بالحراك أن يخوض المعركة بحزم أكبر في الشارع نظراً لانتقال الأمور من النظري والمطلبي إلى الفعلي والعملي، فكانت المفاجأة! إنَّ المعركة بين “لوائح الثورة” ووجوهها مشتعلة وتفوق بدرجات معركتهم مع الأحزاب السلطة.

إنَّ التعاطي بهمجية تجاه أي مفهوم يطرح من قبل الحكومة على الرغم من التثقيف القانوني المكثف الذي تقوم به مكونات المجموعات الثورية لشبابها يؤكد المؤكد أن “مثاليتهم” تلعب دوراً أشبه بالتنويم المغناطيسي لعقولهم التي تحظر أي تقبل لأي أمر ليس من إنتاجهم الفكري، وهذا ما برز مؤخراً في رد الفعل تجاه ما أعلن من كلام مجتزأ لنائب رئيس الحكومة عن إفلاس الدولة ومصرف لبنان.

علمياً وقانونياً، الدولة لا تفلس لأنها تتمتع بالحصانة القضائية والسلطة على ممتلكاتها وأصولها بموجب اتفاقيات دولية، إلاَّ أنَّ الإفلاس الحقيقي في دولة لبنان يتجسّد بالإفلاس من السيادة والإفلاس من المراقبة والمحاسبة، والإفلاس من الحسّ الوطني والإنتماء للأرض، على الرغم من كل البروباغندا التي يفتعلها متسولو السلطة وكراسيها.

إنَّ هذه “الفورة” أفلست نفسها بنفسها حين وضعت الفساد الإداري الذي يعدّ معضلة عالمية في ذات المرتبة مع من أفقد الدولة هيبتها وسلطتها وكرَّسها ساحة للنزاعات والأحلام الإستعمارية. لقد أفلست رصيدها التغييري عندما وضعت مصرف لبنان وسياساته نصب أعينها وتناست الحدود السائبة ومؤسسة “القرض الحسن” الشاذة عن النظام المالي والمصرفي للدولة اللبنانية.

“لا يغيِّر اللَّه ما بقوم حتى يغيِّروا ما بأنفسهم”. وعليه، لن يصطلح لبنان إن ظلَّتْ الكرسي والسلطة أعظم الأهداف.

شارك المقال