أعداء أكثر من أن يُعدوا

حسن كنج
حسن كنج

يكاد عدد أعداء لبنان يكون كبيراً لدرجة لا يعد على الأصابع. إذا عدنا للتسلسل التاريخي للأحداث، يصعب الحديث عن أعداء لبنان وخصوصا إذا كانت النية الحديث عنه بشكلٍ موضوعي. لطالما كان موضوع أعداء لبنان موضوعاً مثيراً للجدل عند اللبنانيين، وغالباً ما يأخذ الموضوع طابعاً طائفياً وتاريخياً. يعود الاختلاف حول العدو إلى اختلاف السردية التاريخية المبنية على اختلاف وجهة نظر اللبنانيين حول هوية العدو. ففي لبنان يمكن من خلفية الشخص السياسية، العقائدية والمجتمعية معرفة من هو العدو بالنسبة له ومن هو الصديق.

منذ التأسيس كان من اللبنانيين من هم أقرب إلى الهوية العربية وهم من المسلمين عامةً أكثر اقتناعا بفكرة الانتماء العربي والوحدة مع سوريا أن ذاك ما جعل تلقائياً العدو فيما بعد مع ظهور المشروع الصهيوني في المنطقة عدو العرب الأول طبعاً الكيان الاسرائيلي. أما علاقة المسيحيين اللبنانيين التاريخية مع الفرنسيين فقد جعلتهم أكثر قرباً بالمنظور للأمور إلى المنظور الأوروبي الأبيض إذا صح التعبير، ما لم يجعل إسرائيل في بدء الامر عدواً لهم بعيداً عن البعد الإنساني ولكن في المعنى السياسي لكلمة عدو. هذا وبكل بساطة لأنهم لم يكترثوا للبعد العربي أو حتى الإسلامي للقضية مع العلم أن المشروع الإسرائيلي كان توسعياً منذ البداية ويشكل خطراً حقيقياً على لبنان ،وعلى كل البلاد المجاورة لفلسطين المحتلة. وان الانتهاك الإسرائيلي للبنان بدأ قبل اتفاق القاهرة بتعديات واضحة على لبنان أهمها كان التعدي على المطار اللبناني وتفجير ١٢ طائرة لشركة الطيران اللبنانية.

عند توقيع اتفاق القاهرة، بدأت عوامل ظهور الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان تخيف اللبنانيين عامة، وخصوصاً المسيحيين منهم ،بسبب خوفهم من الفلسطيني من أن يأخذ لبنان بلداً بديلاً ،وثانيا بعد تشريع العرب للفلسطينيين العمل الفدائي والعمليات من داخل لبنان على الأراضي المحتلة. جعل هذا لبنان عرضة للاختلالات الأمنية ،وجعل الفلسطينيين والمسيحيين اللبنانيين في خصومة دائمة إلى حد العداوة بينهم، حتى اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام ٧٥ بين الفلسطينيين والقوى الوطنية التي كانت ترى مشكلة حقيقية في تفرد ما يسمى اليوم بـ”المارونية السياسية” في الحكم وذلك بالإضافة إلى موضوع التعاطف مع القضية الفلسطينية ورؤية القوى الفلسطينية كحليف ومساعد لهم للوصول لمبتغاهم السياسي من جهة.

في الجهة الأخرى، “الكتائب” والقوى، التي كانت تسمى باليمين آنذاك، كانت لها قبضة محكمة على الحكم، ولم يحلو لها وجود ميليشيات على ارضها تنفذ عمليات لقضية يعتبرون نفسهم غير معنيين بها، وتهدد أمنهم وأمن بلدهم ومشروع محافظتهم على حقوقهم وقوتهم في الدولة. ما جعل العدو في منتصف السبعينات: الفلسطيني لقوى اليمين؛ والإسرائيلي لقوى اليسار.

هذا ومع دخول السوري على الخط تحت عنوان “حفظ الأمن” ولجم الميليشيات الفلسطينية، برضا عربي وأميركي بشرط عدم تواجد السوري بقرب الأراضي المحتلة. بدا في بادئ الأمر أن اليمين كان راضياً عن الدخول السوري إلى لبنان مادام ذلك يضعف قوى اليسار والميليشيات الفلسطينية هذا في تقاطع المصالح في أول الحرب ولكن مع تغير المعطيات والأحداث أضحى كل يغرد على ليلاه. ومع دخول كل القوى المتحاربة دوامة الحرب العبثية والفوضى، أضحى السوري في مواجهة قوى اليمين. فللسوري مطامع في لبنان بعيدة عن مصالح اليمين واليسار معاً. وعند اشتداد الصراع بين السورين واليمين اللبناني أصبح الجيش السوري عدو قوى اليمين الأول وذلك بسبب وحشيته بالتعاطي مع اللبنانيين والمجازر التي ارتكبها.

ومع دخول الاسرائيلي واجتياح لبنان تحت ذريعة التخلص من الميليشيات الفلسطينية، قتل الاسرائيليون الكثير من اللبنانيين ودمروا لبنان، وخصوصاً بيروت، ما جعل الاسرائيلي المكروه عند قسم كبير من اللبنانيين في مواجهة شرسة معهم. عزز هذا الاختلاف التاريخي حول العدو وثبت لكل فئة عدو خاص بها.

ولكن إذا نظرنا جديا وموضوعياً إلى الحرب والفترة التي لحقتها من العام 1990حتى التحرير في العام 2000 حتى جلاء الجيش السوري عن لبنان في الـ 2005 حتى يومنا، فمن هو العدو الحقيقي للبنان؟

لنبدأ في الإسرائيلي الذي رأى في أرض لبنان أرضا محقة له ما يجعله في خلاف أيديولوجي مع الشعب اللبناني، وخطراً على كيان لبنان وحاضره ومستقبله، وذلك بالإضافة إلى الاعتداء والمجازر على لبنان منذ تأسيس كيانه حتى اليوم مروراً بمجزرة قانا الأولى والثانية ومجزرة صبرا وشاتيلا ومجزرة الحجاج إلى غيرها من القتل المتعمد والتنكيل. وحرب تموز عندما استفاد الإسرائيلي من الحرب لتدمير كل البنى التحتية للبلد، وذلك بهدف إرجاع لبنان إلى الوراء أولاً وتكبده خسائر اقتصادية وبشرية مهمة ما يظهر وحشيته وخطورته على لبنان ووقوفه دائماً عائقاً أمام تقدم لبنان نحو الأمام.

أما النظام السوري وإن لم يكن اللبنانيون عامة في خلاف إيديولوجي معه، الا انه وقف في كل فرصة اتيحت له في وجه سيادة لبنان وعدم الاعتراف فيه كوطنٍ مستقل، بالإضافة إلى دخوله بلحرب لمطامع واضحة تحت ذريعة حفظ الأمن واغتيال كمال جنبلاط… حتى زمن الوصاية والقبضة على القرار اللبناني الأمني والسياسي… حتى بعد زمان الوصاية والاغتيالات التي اتهموا بالكثير منها …حتى ضلوعهم في استقدام المتفجرات عبر ميشال سماحة لأعمال ارهابية تنوي افتعال النعرات الطائفية والاقتتال الداخلي… حتى تفجير مساجد التقوى والسلام… حتى الانتهاك للثروة النفطية للبنان ب٢٠٢١ من قبل السورين والإسرائيليين معاً… هذا كله يجعل النظام السوري عدواً لاستقلال لبنان وسيادته، وإن لم يكن هذا العداء عداء ايديولوجي لكنه عداء سيادي وحقيقي ضد نظام كان له مصلحة في الاقتتال داخل لبنان والكراهية بين ابنائه.

أما العدو الثالث لبنان فهو اللبناني الذي سمح لوطنه بأن يكون ساحة للمحاور من منتصف السبعينيات حتى اواخر الثمانينات.

الرابع هو طبعاً الطائفية، لأنها اليوم العائق الأساسي أمام محاسبة الفاسدين ومحاسبة أمراء الحرب وقيام دولة عصرية تلبي تطلعات الشباب اللبناني. ثم ان الطبقة الحاكمة وأجندات الدول التي تقف وراءها هي خير مثال عن عدو لبنان اليوم بابقائه عرضة لصراع المحاور والتدخلات الخارجية.

ويبقى الكثير من الأعداء الذين يتجسدون في الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، مثل الفساد وغيره من الأمور الكثيرة جدا… ما يعكس وضع لبنان اليوم والعقم الذي يحل به وبنظامه.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً