لِمَ المقاطعة… ولأي سبب؟

كمال دمج
كمال دمج

بعد قرار الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي والامتناع وكتلة “المستقبل” عن خوض الانتخابات النيابية، كثر الحديث عن قرار المقاطعة الشعبية وخاصة السنية لهذا الاستحقاق تناغماً مع قرار زعيم الغالبية السنية وممثل الاعتدال الوطني في البرلمان اللبناني، وتزامناً مع التغاضي العربي عن الواقع اللبناني ونكران أساليب المواجهة الواقعية للاحتلال الايراني، وكَثُرت معه التساؤلات عن جدوى المقاطعة وأسبابها وأهدافها.

وفي المقابل من حقنا أن نسأل: هل من جدوى وطنية من المشاركة في هذا الاستحقاق؟

تماشياً مع المبادئ الدستورية والقانونية التي تكرِّس “السيادة” إحدى أهم أركان الدولة ومكوِّناً أساسياً لاستمرارية الكيان، وانطلاقاً من القناعة التامة التي تكوَّنتْ نتيجة تراكمات ووقائع سوداء بأنَّ سلاح “حزب الله”، يشكِّل – منذ نشأته – أداة إحتلال إيراني للبنان وبيروت، ورفضاً لواقع المؤسسات الدستورية اللبنانية الواقعة تحت إمرته، ووقوفاً عند الحالة الإنسانية التي يعيشها الشعب اللبناني من رعب واستبداد تحت وطأة التهديد والقتل والغدر، وخاصة في مناطق نفوذ الثنائي، لا يمكن لأي طامح الى بناء وطن أن يعترف بشرعية أيٍّ من الخطوات في المعادلة السياسية اللبنانية، ولاسيما العملية الانتخابية الفاقدة لأهم صفاتها، الحرية والديموقراطية.

لقد استُغِلَّتْ الجغرافيا اللبنانية، أرضاً وشعباً، مروراً بمراحل عديدة، لتكريس لبنان منطلقاً وأساساً لأي مخطط للتموضع في أي معادلة تعيد ترسيم المعالم في المنطقة. لقد استُغِلَّ لبنان صندوق بريد لايصال الرسائل السياسية داخلياً وخارجياً، فما أراد أحد أن تكون له قيادة وطنية معتدلة تحكم بالميزان من دون تفرقة وتمييز، فكان اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الضربة القاضية للبنان الحضارة والتطور، على الرغم من كل محاولات الاستنهاض بعدها. ما شاء سعد الحريري بعد هذا المسار أن يكون شاهداً ومشاركاً في تخيير اللبنانيين بين القوت والدم، بين الإستعباد والقتل، بين الهيمنة والإقتتال، فقرر الإنسحاب لينأى بالطائفة السنية عن هذا العار وليجعلها مرجعاً وميزاناً للمعادلات من غير المشاركة في الضرب والطرح والتجزئة وتصفية الحسابات.

لقد أخذ سعد الحريري على عاتقه تجديد المواجهة مع من اغتالوا بيروت مرَّتين وفي كل لحظة، عبر الإبتعاد وجمهوره عن الطرق السياسية التقليدية العقيمة ووضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته تجاه لبنان وشعبه، للقناعة التامة بأن ١٢٨ نائباً جديداً لن يستطيعوا التغيير قِيْدَ أنملة في الواقع اللبناني والأزمة الحالية طالما أنَّ الإمرة للسلاح، وتحت بطشه تُتَخذ القرارات وتُسَنُّ التشريعات وتشكَّل اللوائح الإنتخابية وتتألف الحكومات ويُعَيَّن القضاة، وطالما أنَّ أي حكومة مستقلة ستأتي لتتخذ قرارات تخصُّ السيادة الوطنية وتمسّ “الهيكل الشيعي” بجناحيه العسكري والسياسي سوف تواجه بـ “٧ أيار” جديد وباغتيالات وخطف أرواح من دون رادع أو حسيب.

لا تأخذوا بالقليل من الحق المدعى من أفواهٍ اعتمرت الباطل لتبلغ المصلحة الطائفية المناطقية على حساب الكيان الوطني، ولا تسمعوا لمن يخيفكم بفزاعة هيمنة الحزب على المقاعد السنية، فلا هو بحاجة الى الهيمنة ولا نحن نكون أو لا نكون عبر مقعد نيابي، وقاطعوا نعم قاطعوا الإنتخابات في سبيل الواقعية في النضال الوطني.

شارك المقال