انهيار الإهراءات… انهيارٌ للعدالة في لبنان

كمال دمج
كمال دمج

بعد مرور سنتين على تفجير مرفأ بيروت، أفظع جرائم العصر، حُوِّلَتْ القضية بقوَّة الأمر الواقع أولاً وبالتَّغفُّل والتأقلم ثانياً إلى قضية أطرافٍ متنازعة على الشعبوية والدفاع، كل عن مكتسباته ومصالحه واستمراريته كلاعب على الساحة السياسية، من دون السعي لإرساء سبيل واضح ومتين نحو الحقيقة والعدالة.

فهل باستطاعة لبنان بعد، في ظل التناحر الداخلي والانشغال الخارجي بالقضايا الكبرى، إحقاق الحق ومحاسبة الجناة؟

لقد جوبِهَتْ قضية ٤ آب منذ اليوم الأول ببرودة تُرجمت معالمها بشكليات دولية ونتائج بشعة للانتخابات النيابية بسبب الحالة الشعبية اللبنانية الرافضة للعفوية في التحرك والمواجهة تاريخياً من دون دافعٍ مالي سلطوي بإخراجٍ دولي – داخلي، انعكس فقدانه تشرذماً بين معظم القيادات الحزبية التي تحمل راية السيادة والحرية والتي حصرت قدرتها على الدفاع عن قضايا لبنان ككل بحصولها على مقاعد نيابية بالزائد، فشلت في تأمينها متأثرة بعوامل عدَّة.

وفي كُلِّ مرَّة يتطلع أحد نحو حقيقة ما جرى، يقف عند حائط القضاء اللبناني المُكبَّل بآليات السلطة والسلاح، والعاجز عن القيام بأي خطوة تفيد التحقيق وتنعش الملف الفارغ نسبياً من أي وقائع ثابتة مترابطة، والمنسي إجمالاً، والمغلق تماماً منذ سبعة أشهر ونصف الشهر نتيجة كف يد قاضي التحقيق بواسطة دعاوى الارتياب المشروع من أزلام الارتياب، يحتمون خلف حصانات جُدِّدتْ بشرعية المغفلين الحمقى، والذين يمارسون أبشع أنواع الابتزاز السياسي بمواجهة العدالة وأوجاع أهالي الضحايا والجرحى بلا إنسانية ورحمة واحترام للعقول، عبر التمسك بعضوية لجنة الإدارة والعدل في المجلس النيابي، وعبر تهديد القضاة في عقر دارهم في قصر العدل وعبر المواجهات الحية في الشوارع الحساسة طائفياً، حتَّى يصح بهم قول شخص يؤمنون بحكمته، الإمام علي – رضي الله عنه – عندما قال: “اللّئيم إذا قدر أفحش…”.

وربطاً بما سبق، يقبع مسرح الجريمة، الذي يفترض أن يكون مركزاً ومثالاً لبسط سيادة الدولة وإرادتها، تحت يد السلطة الفاحشة الحاكمة عينها، والتي تعمل بكل الوسائل ومنذ اللحظات الأولى بعد التفجير على إخفاء معالم الجريمة وتحويرها وتخريبها إلى جانب العوامل الطبيعية، والتي تسببت بانهيار جزء من إهراءات القمح بعد أسابيع من الامتناع عن إطفاء الحرائق المندلعة فيها، والتي لا يستبعد انهيارها كاملة في أوقات لاحقة، حتَّى تمثِّل بانهيارها انهيارا شنيعاً للعدالة في لبنان استتباعا لظلام الحقائق في قضايا أخرى كشهداء ثورة الأرز ولقمان سليم والمصوّر جو بجاني والعقيد جوزيف سكاف وغيرهم، وليكون القدر ظالماً في مصادفة هذه الذكرى مع إطلاق سراح “السفاح” ميشال سماحة عميل النظام السوري صاحب اليد الطولى في جلب وتخزين النيترات في العنبر 12 بتنفيذ من حزب الله المكلَّف “إيرانياً” بالسيطرة على لبنان.

وانطلاقاً من مظاهر الاحتلال في ما سبق، لا تجعلوا ٤ آب ذكرى سنوية لمجرَّد الاستعراض أمام المرفأ ولا تسمحوا لمتفرعات هذه القضية أن تفقدكم البصيرة في تنمية المواجهة وتنظيمها، وكونوا على ثقة بأنَّنا نحن الأبرار لسيادة وطننا على اختلافنا، أصحاب هذه الأرض، وكل محتلٍّ إلى زوال.

شارك المقال