بين السكرة والفكرة… طار البلد

كمال دمج
كمال دمج

بعد دخول لبنان منذ الأول من أيلول في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ووسط المتاريس التي نصبت بين الأطراف السياسية وخصوصاً المسيحية، سعياً من كل طرف الى فرض شروطه حول شخصية الرئيس العتيد، لا يزال “حزب الله” الذي يملك الكلمة الفصل في الإستحقاقات اللبنانية كافة، صامتاً من دون الإعلان أو حتى التلميح عن مرشحه، في ظل عدم ثباتٍ سياسي وأجواء متوترة وحساسة إقليمياً، ما جعله يبدو حتى اللحظة محتاراً في خياره بين الرئيس الصدامي والرئيس الوسطي، بانتظار إشارة الحسم دولياً.

وبين هذا وذاك، هل من الأفضل لدى “حزب الله” الإبقاء على العجلة الدستورية معرقلة حالياً في ظل حكومة تصريف أعمال قادر على تعطيلها وقت يشاء؟

في المقلب المجابه لمحور الممانعة بدايةً، لم يستطع أحد حتَّى الآن، نتيجةً للإنتخابات النيابية، دفع الحزب الى الشعور بـ “نكزة” مواجهة سياسية فعلية للمشروع الإيراني عبره في لبنان، إن كان في رئاسة المجلس النيابي أو رئاسة الحكومة أو التحقيق في مرفأ بيروت أو غيرها من الإستحقاقات التي كانت أولى الاختبارات لقدرة المحور السيادي على تكوين نفسه والإجتماع على طروحات وطنية تدفع البلاد نحو بوادر حلحلة وخروج من الأزمات، وهذا ما يتبلور اليوم في تباعد الطروحات وتعددها بين القوى السيادية الأساسية نفسها، وبينها وبين قوى التغيير، لتتضاءل حظوظها في إمكان إيصال مرشحها حتّى في الدورة الإنتخابية الثانية عبر الغالبية المطلقة.

وفي ظل “معمعة” تكابر الأطراف على المصلحة الوطنية إعمالاً للمصالح الحزبية والطائفية، وغوغائية البعض في مقاربة المواضيع الحساسة، يستغل “حزب الله” هذا الإنشغال بـ”اللاشيء” ليصنع سياسة لبنان الخارجية والدفاعية، وليبقي الدولة بجميع أركانها على صفيح ساخن لا تعرف الثبات والإستقرار.

ووسط هذا الإنكماش في نظام الحكم الذي أرساه سلاح “حزب الله” غير الشرعي بالتعاون مع حلفائه، يختلقون خلافاً دستورياً يقطع استمرارية الحكم التي يرسيها إتفاق الطائف، ليحوِّلوا النص الوطني الواضح (المادة ٦٢ من الدستور) إلى نصٍّ طائفي فيه الريبة والشك، تتحول عبره حكومة تصريف الأعمال إلى حكومة غير شرعية لا يمكنها تولي صلاحيات رئيس الجمهورية طيلة الفراغ، ما يتيح الحجة أمام الحزب للتصرف كيفما يشاء في المواضيع كافة، وخصوصاً في ترسيم الحدود الجنوبية، بحجة الدفاع عن لبنان وحماية مصالحه بغياب السلطة الشرعية.

إلاَّ أنَّ لـ”حزب الله” في الحقيقة، مصلحة في تشكيل حكومة جديدة تتولى عنه في العلن وأمام المجتمع المحلي والدولي مسؤولية السياسات التي سيفرضها على البلاد بقوة سلاحه وبالأمر الواقع. لكن عملياً لم يستطع الحزب حتّى الآن، وعلى الرغم من إصراره، التوصل إلى إقناع حليفه ميشال عون بتعويم الحكومة الحالية مع بعض التعديلات، وذلك لرفض عون تقديم ورقة رابحة للحزب طالما أنه استغنى عن ترشيح جبران باسيل للرئاسة، ما دفع الأخير إلى تهديده بالمطالبة بتحقيق دولي في تفجير المرفأ، كرسالة مبطنة لما يمكن أن يحصل في حال زيادة الضغوط، وبما أنه ما عاد لديه شيء يخسره بعد العقوبات الأميركية وخسارة حظوظه في الرئاسة.

وأمام هذا الواقع العصيب، هل يشهد لبنان إنتهاء للجمهورية الثانية مع خروج ميشال عون من بعبدا؟ وهل يمكن أن نشهد فسخاً لإتفاق “مار مخايل”، يدفع بالبلاد نحو أمور لا تحمد عُقباها في الصراع نحو إرساء نظام جديد بين الأطراف المتنازعة على أسس طائفية وعقائدية؟

شارك المقال