الشوف بعيون زوار “بيوت الضيافة”

جاد فياض
جاد فياض

نقلتنا أزماتنا اللامتناهية إلى عالم سوداوي. لم نعد نبحث عما يبهجنا. بل بات انهماكنا اليومي بالأزمات المعيشية هو “الشغل الشاغل”. انصرفنا عن أمور عديدة كانت في صلب إهتماماتنا، وباتت ثانويات، ومنها السياحة الداخلية، التي كانت تشكل متنفساً للبنانيين، ومحركاً للعجلة الاقتصادية على حدٍ سواء.

إلّا أن “ما أضيق العيش، لولا فسحة الأمل”… وانطلاقاً من هذه القناعة يحتم علينا الواقع الصعب ضرورة السعي لإيجاد أي فسحة تعيدنا إلى الزمن الجميل، حيث لا زالت أفكارنا، والسياحة الداخلية تمثل جزءاً من ذلك الزمن. التعرف إلى المناطق اللبنانية، والتي يجهلها الكثيرون، ضرورة لفهم حقيقة هويتنا، بالإضافة إلى المنافع التي ذكرناها سابقاً.

مبادرة جميلة يقوم بها شباب “لبنان الكبير” لنقل القارئ إلى المناطق بهدف معرفة ما يميّزها.

منطقة الشوف، وهي إحدى تلك الأقضية في جبل لبنان، تتمتع بمواصفات الأقاليم الجبلية التي نخالها في أذهاننا. مساحات خضراء شاسعة، مناطق زراعية، مقاصد سياحية، ومجتمع ما زال يحافظ على العادات والتقاليد وأسلوب حياة لم تغرّه قشور التحضّر المصطنع.

تتميز الحياة في القرى الجبلية عن تلك في المدن الكبرى، وهو أمر يسعى البعض لاختباره، من دون أن ينجح بالضرورة، لأن تجربة الفنادق لا تعكس حقيقة هذه الحياة. وبهدف نقل التجربة الجبلية بتفاصيلها لزائري منطقة الشوف، إنطلقت مشاريع “بيوت الضيافة” وهي عبارة عن منازل على سفوح جبال المنطقة، يستطيع الزائر المكوث فيها، والتعرف عن قرب إلى أسلوب حياة الشوفيين.

 

بين الزراعة، وهو نشاط اعتمد عليه الشوفيون الأقدمون كمصدر رزق أساسي، والحِرف التي أبدع فيها الحرفيون، يتابع الزائر في منطقة الشوف أسلوب العيش البسيط. يتنقل بين الأزقة القديمة التي لم يدمرها البنيان الحديث ليرى البيوت التراثية، التي حافظ عليها قاطنوها كجزء من تاريخهم، خصوصاً في القرى المرتفعة مثل نيحا والمعاصر والباروك، فيسمع منهم روايات يكررونها كلما زارهم غريب، ليحيطوه بتفاصيل المنطقة، بين السياسة والحرب والمجتمع والطبيعة.

مجتمعٌ محافظ نسبياً، وسياسةٌ أنجبت كبار ككمال جنبلاط وكميل شمعون، وحربٌ قاسية، ومحميات ومغاور ومتاحف، جميعها تفاصيل سيتعرف الضيوف عليها بمجرد زيارتهم هذه البيوت وتجوالهم في الضِيع. طعام صحي من خيرات الأرض، ونشاطات قروية أيضاً، بالإضافة إلى الهدوء الذي لا ينتهي.

 

هذه التفاصيل الصغيرة قد لا تُروى بمقال، ولكن بالتأكيد جديرة بالتجربة. بيوت الضيافة قد تمثل نموذجاً قريباً للواقع القروي، وطريقةً ليتعرف الجميع إلى الحياة في الشوف.

 

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً