أهل الذمة… مقاومو نهج الدولة في لبنان

كمال دمج
كمال دمج

على قدر أهل العزم تأتي العزائم في بلاد تحكمها الوطنية والانتماء الى الأرض والتاريخ والكيان، وعلى قدر أهل الذمة والتبعية والمصالح الشخصية والارتهان الى سياسات البلطجة والاستغلال تأتي الهزائم ونهايات الحضارات والكيانات. وعلى هذا المسار أتَتْ خسارة الدولة اللبنانية لأركانها من خلف عناوين النصر المزيَّف، حتَّى باتَتْ مرهونة بالكامل لمزاجات القوى العالمية الكبرى.

فكيف يستغل “حزب الله” عبر إيران، الظروف الدولية وإستحقاقي ترسيم الحدود ورئاسة الجمهورية في لبنان للحفاظ على سطوة سلاحه على قرار الدولة ومقدَّراتها ومؤسساتها الدستورية؟

منذ إعلان إتفاق الاطار مع العدو الاسرائيلي، حارب “التيار الوطني الحر” ومن خلفه الرئيس عون وبِرِضىً من “حزب الله” لتشليح الرئيس نبيه بري الملف ووضع اليد عليه بحجة الميثاقية والدستور وصلاحيات رئاسة الجمهورية في عقد الاتفاقات وممارسة السلطة على الوفد المفاوض، إلاَّ أنَّ هذه الميثاقية فيما بعد باتت تتمثل في إرضاء الادارة الأميركية بالامتناع عن توقيع المرسوم ٦٤٣٣ والرجوع عن الخط ٢٩ لمصلحة إسرائيل مقابل رفع العقوبات عن جبران باسيل تمهيداً لترشيحه لرئاسة الجمهورية، ما دفع الولايات المتحدة الى الاسراع في حسم الملف قبل انتهاء ولاية ميشال عون إستغلالاً لتساهله المطلق مع أي إتفاق يُعقَد يتحسس منه تحريراً لباسيل من القبضة الأميركية، وكل ذلك في توقيت حساس ومتسارع نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية.

إلاَّ أنه ومع إدراك الولايات المتحدة أنَّ ورقة جبران باسيل “محروقة” في الداخل اللبناني، خصوصاً بعد نتائج الانتخابات النيابية، ومع اقتناع “حزب الله” بأن لا مجال لايصاله إلى سدة الرئاسة كشخصية تَحدٍّ لجميع المكونات اللبنانية، بدءاً من حليفه نبيه بري، وأنه سيضع عليه مسؤولية ما قد ينتج من تدهور للأوضاع نتيجة إنتخابه، يذهب الحزب بتوجيه من إيران نحو المهادنة والتريُّث في إعلان مرشحه للرئاسة عبر خوض غمار الورقة البيضاء في الجلسة الأولى، وعبر التوقيت الاستفزازي للجلسة الثانية في ١٣ تشرين الأول لتكون مؤجلة حكماً، في لعبة تطيير للإستحقاق إلى ما بعد خروج عون من بعبدا ليبنى على الشيء مقتضاه.

وبات معلوماً أنَّ أي إتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل خارج الخط ٢٩ – وهذا ما يحصل واقعياً – يضع حقل “كاريش”، المستكشف من إسرائيل، كلياً خارج السيادة اللبنانية، في حين أن حقل “قانا” اللبناني لم يخضع للتنقيب بعد وقد لا يكون مخزونه من الموارد بالقدر المتوقع، ما يضع لبنان أمام خطر الحصول على “اللاشيء” في الجنوب إضافة إلى الموارد المتنازل عنها.

لذلك، يلعب “حزب الله” أمام جمهوره دور القيِّم على حماية النفط والغاز وكل كوب ماء من المياه اللبنانية، في مسار ترويض العقول للتأقلم مع الانتقال الى عنوان جديد للسلاح يتمثَّل في “حماية وضمان إستخراج النفط والغاز اللبناني” وذلك في إطار ما توصلت إليه الأجواء الدولية من شبه نضوج لتسوية أميركية – إيرانية تظهرت أولى معالمها بإتفاقات جانبية على هامش مفاوضات الاتفاق النووي تسمح لإيران بزيادة كمية صادراتها النفطية لتقليص الفجوة التي أحدثها “بوتين”، مقابل تسهيل حسم ملف الحدود الجنوبية في لبنان، مع ما يرافق ذلك من غض للنظر عن دور “حزب الله” في المعادلة الداخلية.

وتأسيساً لهذا التفاهم في لبنان، يبتعد “حزب الله” عن موقف مثيل لموقفه الداعم لرئاسة ميشال عون، بحيث يقترب أكثر فأكثر من فكرة الرئيس التوافقي غير المستفز للأطراف المعارضة لوجوده العسكري، بحيث بدأ بنشر أجواء من الرضى عن قائد الجيش جوزيف عون عبر وسائله ووجوهه الاعلامية، توحي بإمكان التوصُّل الى إنتخابه في حال نضوج الأجواء الدولية في هذا الاتجاه، خصوصاً أنَّ لا مشكلة لدى الأطراف المعارضة وتحديداً “القوات اللبنانية” مع قائد الجيش، في حين يمكن إيصاله “بلا جْميلة” جبران باسيل الذي قد لا يبقى لتياره وزن سياسي بعد ٣١ تشرين الأول.

وعليه، عاش القائد المقاوم “أبو علي بوتين”.

شارك المقال