سؤال طبيبة لم تتخرج بعد: أبقى أم أرحل؟

ربال مقداد
ربال مقداد

أهرع لأنجز النص، أبحث في معجمي عن كلمة بليغة أكتبها أو ربما عن أرقام وإحصاءات تعزز من القيمة العلمية لمقالتي هذه. لأعود واحتضن كتب الدراسة وأغرق في تلك الغيبوبة من جديد.

عزيزي القارئ، فحوى ما تقرأه في هذه السطور هو نتاج 22 عاماً من الأحلام المكدّسة على شرف الأيام المتوالية، وبعد.

اسمي ريبال، ولي من العمر 22حلماً وبعض أضغاث مرمية. أدرس الطبّ وعلى وشك الانتهاء من السنة الخامسة، وفي كلّ تلك الأيام أدرس أحد أهم الأسئلة، ماذا سيحصل غداً؟

في نهار اجتيازي امتحانات الثانوية العامة، كان أول سؤال يطالعني “شو بدك تتخصصي؟ وكنت أجيب بلا تردد “دكتورة ” مع ابتسامة فخر تزيّن وجنتي. أوليس هذا حال جميع الطلاب؟. في بلدنا هنا تصنف وفق معدلك الثانوي، وإذا كنت من الأوائل يحسم الجدل “يا مهندس، يا دكتور!” أليس كذلك.

على أي حال اخترت الطب دون تردد، وحتى هذه اللحظة لا أرى نفسي أتلاءم مع أي مجالٍ آخر.

أذكر وعورة الطريق في البداية، ساعات الدراسة المضنية والأساليب الغريبة التي أحاول فيها التحايل على دراستي. اليوم وأنا على مشارف الانتقال من المرحلة النظرية إلى المرحلة التنفيذية أسأل نفسي، إلى أين؟

منذ عامين لم يكن الوضع على ما هو عليه اليوم، الأزمة الصحية والاقتصادية على حدّ سواء ساهمتا في هز كيان القطاع الطبي، اليوم تزداد هجرة الأطباء، كما ترتفع أعداد الباحثين عن الهجرة منهم، وترتفع أيضا تعرفة الكشفية الطبية لتلامس المئتي ألف ليرة. ويقع الطبيب المتمرس أو المتدرب بين خيارات عدّة، أيؤدي الرسالة الإنسانية على حساب نفسه؟ أم يترك ما تبقى من بلد هنا ويحمل نفسه نحو بلادٍ تعوضه بعضاً من سني التعب؟

تتعدد الأسباب التي تشجع الأطباء الشباب على الرحيل، ومنها الاقتصادية حيث لا يتخطى لقاء أتعاب الطبيب المتدرب المئتي دولار أميركي، يضاف إلى ذلك ثقل الكاهل المرمي على الأطباء، بحيث يجب على الطبيب أن يتحمل النقص الحاد في الأدوات الطبية وأن يخلق أساليب علاجية قد تكون مبتكرة. إضافة إلى تكرار مشهد الاعتداء على الطاقم الطبي والذي أصبح أمراً متكرراً، تشهده المستشفيات على امتداد مساحة لبنان. يُضاف الى ذلك الإجراءات التي تفرضها النقابة الطبية في لبنان والرسوم المترتبة على الطبيب تسديدها بغية ممارسة هذه المهنة الإنسانية.

ولا ننفي أنّه على الرغم من وجود أسباب عديدة تدفع الأطباء إلى الرحيل، هناك دوافع عدّة تخلق لنا أملاً يحثنا على البقاء، فدورنا كأطباء في الدرجة الأولى أن نسعى إلى خدمة مجتمعنا وأن نساهم ليس فقط في علاج المريض، بل في مساعدته على الوقاية من العديد من الأمراض. الرسالة الإنسانية السامية التي نؤديها تحتم علينا معالجة الإنسان وليس المرض، وما أجمل من أن تساهم وأفراد مجتمعك في تحسين وجهة بلادك؟ أضف إلى ذلك جو الألفة والمحبة الذي يشدّك نحو البقاء بين أفراد عائلتك وزملائك. كلّ بلاد العالم تشهد لأطباء لبنان بكفاءتهم العالية، إذ أن لبنان يعتبر من أهم الوجهات الطبية المقصودة بغية العلاج في العالم العربي.

إنّ قدرات زملائنا الأطباء سواء في لبنان أو في العالم تجيش أحاسيس الفخر داخلنا وتحثنا على تقديم المزيد.

أدرك صعوبة السؤال سواء لزملائي أو لنفسي: أسنبقى هنا أم سنرحل؟ تبقى الإجابة عن هذا السؤال معلّقة بهذا الوضع شديد التقلب للبلد. نحن نسعى لخدمة أبناء الوطن، وتلك الرسالة التي نقضي عمرنا ندرس لنقوم برسالتنا التي كُلّفنا بها على أفضل وجه، الأطباء هم ملائكة الرحمان، ورسالتهم الإنسانية تحتم عليهم اختيار خدمة الناس في الدرجة الأولى.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً