لبنان يخسر جيشه الأبيض

كمال دمج
كمال دمج

يقول أمير الأطباء ابن سينا: “الوهم نصف الداء والاطمئنان نصف الدواء والصبر بداية الشفاء”. يمكن لهذا القول أن يكون قاعدة أساسية في الحياة وركيزة للمجتمعات إلاَّ في المجتمع اللبناني حالياً، حيث الوهم بات حقيقةً مُرة وقاتلة، والاطمئنان شعوراً نادراً، وحبال الصبر قطعَت من هول المصائب التي طالت اللبنانيين ودمرت القطاعات والأكثر خطورة بينها إصابة القطاع الطبي والاستشفائي.

منذ بداية الأزمة، دخل القطاع الطبي في لبنان في دوامة سعر صرف الدولار مقابل الليرة، حتى بات واقعه ينذر بكارثة، وبضرورة التحرك السريع لصد الانهيار وتفادي النتائج على المجتمع اللبناني المنهك، ولكن حل أزمة هذا القطاع جزءٌ من كل، فإذا لم تحل الأزمة الكبرى فلا حلول للمتفرعات.

فبعد كل ما حدث، منذ انقطاع الكهرباء والمازوت عن المستشفيات مروراً بأزمة كورونا والخطايا العظمى فيها وأزمة استيراد المعدات والمستلزمات الطبية، وفي ظل الاحتكار السائد للأدوية وبعد تقنينٍ العمليات واستقبال المرضى والتحذير من أن حتى توقف خدمة غسيل الكلى، وهذا ربما هي أخطر صورة من صور الأزمة، وجدتْ الطواقم الطبية والتمريضية نفسها أمام خياراتٍ مريرة وبعضها قاتل، فإما البقاء في لبنان عاطلين عن العمل، أو العمل بما دون المستوى وسط الفوضى والأخطار، وإما الهجرة لتأمين استمرارية الحياة لهم ولعوائلهم.

يقدّر عدد الأطباء الذين غادروا لبنان منذ أواخر عام ٢٠١٩ بأكثر من ألف طبيب، ومثلهم من الممرضات والممرضين وفق مصادر نقابية (وبالتأكيد أغلبهم من الشباب)، وما زال هذا النزيف الخطير مستمراً يوماً بعد يوم. وبذلك يخسر لبنان نسبة كبيرة من جيشه الأبيض الذي كان خط الدفاع الأول عنه في الأزمات وطريقه نحو تميزه وبروزه في مجال السياحة الطبية، حيث كان يسمى في مرحلة ما قبل الإنهيار “لبنان مستشفى الشرق”.

خسر لبنان قطاعاته، خسر سمعته ومقامه، خسر امتيازاته ولم يعد له من صدارة سوى صدارة التقارير المحذرة والدراسات المقلقة والتصنيفات السلبية. خسر لبنان كل شيء على يَدِ حكامه ومحتليه لكن لم ولن تخسر الأرض حبها في قلوب أبنائنا، لن تخسر النضالات والتضحيات، وستبقى نعم ستبقى أرض الحضارات.

لمن ما زالوا “عالقين” في لبنان: “ناضلوا من أجل الحرية على أرض الوطن. ناضلوا من أجل الاستقلال”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً