السكن الجامعي… مسألة مستقبل وكيان

كمال دمج
كمال دمج

في “عصر” ما قبل الأزمة الحادة، امتازَ المجتمع اللبناني العميق بترابطه وتشابك مكوناته الاقتصادية والاجتماعية نظراً لصغر المساحة وروح الإنفتاح والتَّقبُل، إلاَّ أنَّنا وكـ”سُبحة” فرطتْ باتَ كلُّ مكوّن في وادٍ وكلٌّ “ينوح” على ليلاه. إلاَّ أنَّ صورة الانهيار الحاصل تختلف من مكوّن إلى آخر وفق تأثيره على المشهدية العامة للمجتمع حاضراً ومستقبلاً، فكيف إذا كان هذا المكوّن من أساسيات بناء المجتمعات السليمة، ألا وهو الطالب.

لم تلعب المساحة الجغرافية اللبنانية الصغيرة دورها الإيجابي مع الطالب اللبناني المقيم عندما اشتدتْ الأزمات، فانقلبتْ عليه وباتتْ من الأسباب التي تضع بينه وبين حلمه ومستقبله مسافات ومسافات يستحيل تخطيها في بعض الأحيان، وإن تخطاها فبالذل والقهر والتخلي عن الكثير الكثير من أجل شهادة في أغلب الحالات لن يتم استثمارها في الداخل بل ستستخدم كجواز سفر نحو بلاد الإغتراب.

يعاني الطالب اللبناني من مركزية المجمعات الجامعية وبُعدها عن المناطق الريفية، ومن اضطراره للنزوح نحو المدن والمجمعات السكنية الطلابية لتسهيل تنقله من وإلى الكلية ولتوفير الوقت والتكاليف. فجاءتْ الأزمة الاقتصادية لتزيد الطين بِلّة فأدخلتْ الشقق ومستلزمات السكن بازار سوق الدولار وأحياناً الإحتكار والخبثنة، لتثقل الأعباء على الطلاب المرهقين أساساً من مجمل الأوضاع.

فإن كان الطالب يعمل لتأمين مصروفه إلى جانب ما يوفره الأهل، فإنَّ الغرفة السكنية باتتْ لمن استطاع إليها سبيلاً حتى في حال تشاركها من أكثر من طالب، وفرص العمل أيضاً نادرة وقليلة الأجر، أمَّا السكن الجامعي في الحدث فالدخول إليه على قاعدة ٦و٦ مكرر وكقالب الجبنة الذي يقسم وفقاً للمحسوبيات.

أمَّا إذا أراد الطالب التخلي عن فكرة السكن الجامعي والبقاء في بلدته والانتقال منها وإليها بصورة يومية، فإنَّ دربه صعبٌ جداً في ظل أزمة المحروقات وارتفاع تعرفة التاكسي والباصات عدا عن زحمة السير وبُعد المسافات. فكلفة الانتقال من إقليم الخروب مثلاً إلى صيدا ارتفعت من حوالي الثمانية آلاف ل.ل. إلى خمسة عشر ألف ل.ل. يومياً، فما حال إبن البقاع والشمال وابن الجنوب والنبطية والجبل… فربما يكون مضطراً لربط اختياره للإختصاصه بالكلية القريبة من منطقة سكنه.

ويروي طالب في الجامعة اللبنانية معاناته، فيقول إنَّ أزمة الكورونا والأونلاين بالرغم من سيئاتها إلاَّ أنها كانت رحيمة عليه، حيث وفر تكاليف جامعية عديدة لم يكن ليتحملها لو كان التعليم حضورياً في ظل ما نشهده من غلاء. ويضيف: “جاءت الإمتحانات الحضورية في منتصف الشهر تقريباً لتضع علينا عبء تأمين تكاليف المواصلات بدل الانصراف نحو التحضير للمتحان”.

وهكذا فإنَّ حال الطالب اللبناني عسير، إن كان مقيماً أم مغترباً، وحال لبنان أليم وأزمته أزمة وجودٍ وكيان لن يكون تأثيرها آنياً بل سيمتد لأجيالٍ وأجيال، إنْ بقي الشعب اللبناني منتهجاً التأقلم مع الأزمات بالرغم من قساوتها والتغاضي عن جوهر البلاء الواضح والمعلوم، والتوجه نحو العموميات السخيفة وغير النافعة في جبر أي انكسار.

نعم لانتفاضة طلابية كبرى، نعم لتحرير لبنان.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً