الجامعة اللبنانية: انظر تفرح… إحكِ تحزن

غنوة فهد
غنوة فهد

بقولون “بدّك تشوف خراب ومصايب البلد شوف مؤسّساتو ومكوّناتو الصغيرة”.

في رحلتنا الشاقّة بحثاً عمّا يختبئ وراء أبواب مؤسسات هذا البلد، رحت تائهةً أدخل من باب وأخرج من آخر وكأنّني بطلة في أحد أفلام الرعب. وإذا أردنا تسمية هذا الفيلم أقترح بأن يكون “رحلة الموت اللبنانية”.

وفي أحد مشاهد هذا الفيلم لفتني باب يشعّ منه النور واسم الغرفة “الجامعة اللبنانيّة” هذه الجامعة التي يبرق اسمها عالياً ولكن “انظر تفرح .. احكِ تحزن”.

لطالما حصلت الجامعة اللّبنانية على تصنيفات عالمية مهمّة. كما أحرزت مؤخراً تقدّماً ملحوظًا في تصنيف QS ( شركة كواكواريلي سيموندس المختصة بالتعليم) للجامعات في العالم، بتقدّمها 98 مرتبة عن العام الفائت في مؤشّر السمعة المهنيّة عالمياً، كما تقدمت بمؤشرات السمعة الأكاديمية والمهنية إلى المرتبة الثانية محليّاً.

ما كان هذا التقدم سيحصل لولا الجهود الذي يبذلها الطاقم التعليمي إلى جانب الطلاب في سبيل رفع اسم الجامعة عالياً. ولكن هذا الأمر ليس دعماً من الدولة ويبدو أن لا حياة لمن تنادي. لا مجلس جامعيّ، لا موازنة للجامعة، ملفات تفرّغ عالقة…

وبحسب أستاذ محاضر في كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية، فإنّ من أحد اسباب تعطل أمور الجامعة هو مصادرة صلاحيات مجلس الجامعة من قبل مجلس الوزراء. ومن أهم أسباب الإضرابات في السنوات السابقة كان استعادة صلاحيّات مجلس الجامعة ليصبح هناك ديناميكيّة فعّالة. ولكن لن يوافق السياسيّون عليها وطبعاً لأن الأمر لا يتوافق مع مصالحهم.

بشكل عام فإن إهمال السلطة للقطاع العام وللجامعة بشكل خاص جعل الأساتذة يلجؤون إلى الاضرابات التي تضرّ بهم وبالطلاب والجامعة ككل.

“بما أن أولاد اصحاب السلطة في جامعات خاصة أو في المهجر، لا يهمهم إذا أضرب القطاع الرسمي الذي فيه معظم الطلاب الجامعيين في لبنان”، أضاف الأستاذ الذي عبّر لنا عن حسرته على ما تقوم به السلطة تجاه الجامعة.

الحلول الترقيعيّة غير الجذريّة وضعت أساتذة الجامعة اللبنانية أمام مشكلات عدّة، ويشكو الأستاذ في كلية الإعلام هموم الطاقم التعليمي في الجامعة اللّبنانيّة ومنها: مستلزمات البحث التي بإمكانها أن تسهل الأداء التعليمي وتقديم شرح أفضل للتلامذة ضعيفة جدّاً بسبب عدم وجود القدرات المالية للتمويل، فالجامعة اليوم لا يمكنها القيام بالصيانة لشيء وحتى لا يمكنها شراء الأوراق، لأنه اداريّاً في الجامعة اللبنانية يتطلب القيام بأيّة عملية شراء أو صيانة، مناقصات على السعر الرسمي للعملة الوطنية، وبالتالي يعتبر هذا الأمر مضحكاً بالنسبة للعارض الذي يبيع اليوم في ظل الأزمة المالية على السوق السوداء”.

عدد كبير من الأساتذة يفكرون في الاستقالة من الجامعة اللبنانية نظراً لانخفاض القيمة الشرائية لرواتبهم. فالأستاذ المتفرغ لا يحق له أن يعمل في مجال آخر ليحصل على مدخول إضافي، “الكثير منهم كانوا يريدون الاستقالة، ولكن بعد مناقشات أجراها المدير معهم تراجعوا عن القرار من أجل إتمام العام الدراسي للطلاب”. يكشف الأستاذ ويضيف: “بعد سنوات من النضالات والإضرابات لتصحيح المعاشات يحلّ انهيار في العملة ما يجعل المعاشات منخفضة جداًّ . فالدكاترة المتعاقدون الذين تتأخر الدولة ثلاث سنوات لدفع مستحقاتهم طارت معاشاتهم مع انهيار العملة وعملوا ببلاش. فمثلاً المتعاقد في الساعة لم يعد راتبه يكفيه لتعبئة الوقود. فمن الطبيعي أن يترك الجامعة لعدم تمكنه من الاستمرار.”

أما حول ما إذا كان هناك خطوات أو تدابير سيقوم بها الأساتذة في وجه هذا الظلم في المنظور القريب أجابنا الأستاذ: “ولا مرة كانت الجامعة أولوية لدى الدولة، والوسائل التي يمتلكها الدكاترة للضغط هي وسائل ضعيفة بحكم أن الطبقة السياسية بعيدة عن الجامعة ومعاناتها. وبالتالي قسم من الدكاترة مسيس، فيصبح ولاؤه للسياسي لا للجامعة، ما يشكل ضرراً كبيراً على الجامعة. وفي ظلّ غياب الحكومة لا فائدة برأيي من الإضراب.”

بعد العرض التفصيلي للمشكلات والعوائق التي تتعرض لها الجامعة اللبنانية ودكاترتها وأساتذتها، أقترح بأن نغلق هذا الباب الذي دخلناه خلال جولتنا الشاقة في زواريب هذه الدولة للحفاظ على الصورة الجميلة التي رسمها الأساتذة والطلاب من خلال مسيرة النجاحات والتفوقات. لعلّه يأتي اليوم الذي تصبح فيه أعماق الجامعة لامعة مثل واجهتها.

شارك المقال