لعنة الإشارات المعطلة في بيروت

سارة عكاري
سارة عكاري

من حالفه الحظ وأنعمت عليه الدنيا ورأى ست الدنيا بيروت سابقاً، وأراد رؤيتها اليوم، يكاد لا يعرفها. فهي أصبحت أشبه بجثة هامدة، تشوّهت من قساوة التعذيب وهمجية القتل. تغيّرت ست الدنيا بعدما سقطت عليها لعنة تفجير المرفأ، فلم يبق من أحيائها وشوارعها شيء.

ولكن لم تبدأ شرارة الخراب من تلك الآونة. بدأت بمحاولة شعبها العظيم الانتفاض، وبمحاولة منهم أيضًا الانتقام من طبقة سياسية نائمة، فاتجهوا نحو الأملاك العمومية وممتلكات الدولة التي هي في نهاية الأمر، ملكهم.

فهل من أمر واقع يتبدل عند تكسير إشارات السير؟ هل من أزمة تفرج عند تدمير أعمدة الإنارة؟ فما الغاية وما الهدف غير زيادة الطين بلّة؟ فهل من يعلم أن بأفعاله هذه يودي بحياة الأبرياء؟.

وحتى قبيل 17 تشرين، من منّا يذكر عبور إشارات السير في أحد شوارع بيروت ولم يسلم على الأقل من حادث سير مروّع أو أكثر. لم؟ ببساطة لأن حكوماتنا المتعاقبة أهملت صيانة تلك الإشارات وتنظيم السير.

ومن منّا تعود به الذاكرة إلى مشهد القيادة ليلًا في بيروت والإنارة تضيء الشوارع والطرقات؟ بالطبع لن يتذكر واحد منّا ذلك. ببساطة، لأن في دولة العجائب تضاء الإنارة في النهار وتطفأ ليلاً.

بين إهمال الدولة والبلديات والمسؤولين وبين أسلوب التعاطي من قبل المواطنين، بتكسير إشارات السير وتعطيل أكثر من نصفها منذ أكثر من سنة، تاه السائق وتاه المشاة وعمّت الفوضى وتشرّعت الغابة دون حسيب ولا رقيب.

فقيام الدولة لا يكون بالأنظمة المتطورة والحضارة والانفتاح وحسب، فالدولة القادرة وحس المواطنة معاً يبدآن بتأمين إشارات سير وصيانتها واحترامها والمحافظة عليها لا بتدميرها. فإذا تعطلت، يضيع المواطن وتضيع معه الدولة برمتها.

قصة إشارات السير رواية طويلة طالت، فطالت معها الأزمة واشتدت قساوة مع ارتفاع نسب حوادث السير وضحاياها. فمتى يفهم المواطن ويعي المسؤول أن حياة المواطنين ليست لعبة بيد أحد ومتى تعاد لبيروت صورة العاصمة المنظمة وتمحى صورة الغابة من الأذهان؟

شارك المقال