فجر بيروت وانفجارها

عبدالله ملاعب

بيروت التي يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد، حملت قضايا هذا العالم فكانت حينًا “أم الشرائع” بمعهدها القانوني الكبير، وأحيانًا “ست الدنيا” بنتاج أهلها الفكري والإبداعي والثقافي. وبالطبع، حضنت العرب في أفراحهم وأتراحهم، مدافعةً عن القضية المركزية العربية ومقدمةً الغالي والنفيس في سبيل وحدة العرب مشاركة بتأليف جامعة الدول العربية وممثلة الوطن العربي في لجان المحافل الدولية.

هي المستشفى العربي وجامعات العرب، ومدينتهم التي ربطتهم بالعالم شكلاً ومضمونًا. وكان لمرفئها دور هامٌّ في ذلك.

بيروت شارع الحمرا عام ١٩٧٤

مرفأ العاصمة اللبنانية يعكس تألقها، ويعود إلى ٢٥٠٠ سنة إلى الوراء. هو جسر لؤلؤة الشرق الذي نهض معها سبع مرات وبقي في قلبها رغم الحروب والدمار، وتطورت الأعمال فيه بعد الحرب الأهلية اللبنانية ليصبح ببعد استراتيجي هام وبدور جيوسياسي لافت سيما بعد توسيع الأعمال فيه وتحوله إلى نافذة لبنانية وعربية للعالم.

حينما تفجَّر مرفأ العاصمة، انفجرت معه المدينة على الرغم من صمودها بوجه الاقتتال منذ فجر التاريخ. ولكنَّها اليوم ما عادت قادرة على تحمل ثوب وُضِع عليها وهو ليس لها!

بيروت التي أخرجت الاحتلالات من أرضها وفي الأمس القريب حطمت في ثورة أرزها سلاسل الذي أرادها أن تكون ملحقة به، تئن اليوم كحال اللبنانيين بوجوههم الشاحبة.

إن وجع العاصمة من وجع كل بيت لبناني وحارة أو منطقة خسرت قريبًا إلى قلبها في الرابع من آب المشؤوم حينما تحولت بيوت العاصمة والبشر إلى حطام فعلي. والسبب نيترات أمونيوم أتت بها الجهة التي لاتزال تريد كسر بيروت التي وقفت بوجهها وأخرجتها ليصدح فيها وقتذاك، صوت سمير قصير بمقولته الشهيرة: “ربيع بيروت، حين يزهر إنما يعلن أوان الورد في دمشق”.

مشهد من إنفجار مرفأ بيروت (4 آب 2020)

نيتراتُ أمونيوم احتفظ بشار الأسد بقسم منها في بيروت، والقسم الآخر فجَّر به قرى المعارضين السوريين. وكأن قدر الأحرار في لبنان وسوريا أن يكونوا ضحية الجهة التي إغتالت كمال جنبلاط ورفيق الحريري وسمير قصير وصولاً إلى لقمان سليم مؤخرًا. المحور ذاته بوجه إصرارنا الذي ما تَبَدَّل لإنقاذ لبنان والكيان اللبناني.

شارك المقال