شباب بلا أمل

جاد فياض
جاد فياض

لا أجد تشبيهاً ملائماً أكثر لأوصّف فيه حال الشباب في بلادي اليوم، من “شمعة تنطفئ”. حينما يغيب الطموح، يغيب الإبداع، ومعه الإبتكار، ويصبح الإنسان جسداً يقوم بواجب مفروض عليه. هكذا أصبحنا، كشباب، في لبنان. انهارت أحلامنا دفعةً واحدة، ذبلت طموحاتنا، وصار أقصى ما نسعى إلى تحصيله، علبة دواء، أو ربطة خبز.

لا شك أن وقع الأزمة الاقتصادية كبير جداً على الجميع، لكنه استثنائي بالنسبة لفئة الشباب دون غيرهم. ففي لبنان، عادة ما ينطلق هؤلاء من الصفر، ويحاولون بناء مستقبلهم رويداً رويداً وبـ”التقسيط”، أما وبعد الانهيار الكبير الذي تشهده البلاد، باتت نقطة الانطلاق دون الصفر بكثير.

يمكن تلخيص طموحات الشباب في لبنان بثلاث نقاط أساسية، وهي تحقيق مستوى علمي متقدّم، العمل في سياق التخصص، والتطور على صعيد الحياة الشخصية. هي أساساً من البديهيات، وفي الدول التي تحترم حقوق الإنسان، فإن هذه الطموحات هي مجرّد حقوق تمنحها الحكومة للأفراد. لكننا في لبنان بالتأكيد غير قادرين على تحقيق أي منها اليوم.

على صعيد التحصيل العلمي، العديد من الشبان اضطروا إلى التسرّب من الجامعات، والتوجّه إلى سوق العمل، والأطفال أيضاً مشمولون في هذا السياق، وكان لليونيسف إشارة لهذه النقطة في تقريرٍ لها. أما وبالنسبة للعمل وفق التخصص، فإن الأمر بات صعباً جداً، مع ارتفاع نسب البطالة واللجوء إلى العمل في أي قطاع لكسب الرزق، بغض النظر عن الشهادة. وفي ما يتعلق بالحياة الشخصية، حدّث ولا حرج.

إن هذه الظروف تنعكس مباشرةً على الصحة النفسية للشباب اللبناني، الذي صار محبطاً وفاقداً لأي أمل، وتُترجم بفقدان الإيمان بالقدرات الفردية من جهة، وبإمكانية نهوض البلد من جهة أخرى. ولا شك أن إنتاجية الشباب تتأثر، كما القدرة على الإبداع والابتكار.

وليس من الصعب ملاحظة توجّه عدد كبير من الشباب إلى الهجرة، ولو بأي طريقة، عبر “قوارب الموت” أو الحدود البرية غير الشرعية، وهذه أيضاً نتيجةٌ حتمية لفقدان الأمل. بالإضافة إلى ذلك، تنمو مشاعر غضب تجاه مسؤولين غير مسؤولين، لم يؤمّنوا لهم أياً من حقوقهم.

إن نهوض البلد لن يكون إلّا على أيدي شبابه، هو أمر محتّم، إلّا أن هذا يحتاج أولاً لتثبيت هؤلاء الشباب في بلادهم، وتأمين الحد الأدنى من الحقوق لهم، بالإضافة إلى جوٍّ مؤاتٍ للعلم والعمل، وليس من الضروري التذكير بابداع الشباب اللبناني في الخارج وتحقيقه نتائج مميزة في مختلف المجالات.

في الخلاصة، لا يمكن أن يكون الإذلال أمام محطات الوقود قدراً، ولا أمام المستشفيات والجامعات ومراكز العمل. على المعنيين تحمّل مسؤولياتهم في تأمين مستقبل الشباب عبر خطط إنمائية مدروسة تنهض بالبلاد، انطلاقاً من مبدأ الكفاءة بعيداً عن المحسوبيات، وإلّا، سلامٌ على وطن اسمه لبنان.

شارك المقال