عيش الرفاهية… أنتيكا الزمن اللبناني الجميل

كمال دمج
كمال دمج

“على قد بساطك مد إجريك”، مثلٌ شعبي متداول لا يؤمن به الشعب اللبناني إلى حد الكفر، فلا الاحتكار ولا غلاء الأسعار ولا حتى الحصار يدفعه للتخلي عن رفاهيته وحبه للحياة. لكن مع الأسف، يتأقلم اللبناني مع المتغيرات الحادة إلى درجة الانسجام للحفاظ ولو على نسبة ضئيلة من هذه الرفاهية على حساب حريته وسيادته وربما على حساب وحدة الأرض والوطن.

في عصرنا هذا، لعلَّ أبرز القطاعات المؤثرة في الشعب اللبناني هي قطاعات التكنولوجيا والحداثة والاتصالات، فليس صدفةً أن تكون مسألة فرض ضريبة الـ 6 سنتات  على مكالمات تطبيق WhatsApp  هي القشة التي قصمت ظهر البعير وأشعلت انتفاضة ١٧ تشرين في لبنان والتي سرعان ما بَهُتَ وهجها نسبياً بعد استقالة الحكومة وعدم اتخاذ هكذا قرار.

نعم، وليس بأمر غريب، فمن حينها كان الشعب اللبناني وما زال يخضع فعلياً لعملية “ترويض” جعلته في يومياته أسير غريزة البقاء ومدافعاً شرساً عن رفاهيته حتَّى قتلته شراسته وسُلبتْ منه رفاهيته وهو في طريقه نحو تأمين مقوماتها باستبداد المحور الحاكم وانعدام إنسانيته ومسؤوليته إلى حد الإرهاب.

فباتتْ مسألة محاكاة التطور التكنولوجي ومواكبة آخر التحديثات من الزمن الجميل الذي كان فيه اللبناني يدفع المال كشرب الماء، فلم يعد باستطاعة الشباب شراء أحدث الهواتف وأجهزة الكومبيوتر وساعات اليد، ومن امتلك هكذا تقنيات “أيام أبو رخوصة” بات معها الآن كمن يداري طفلاً ويرعاه لأنه في حال كسرت شاشة هاتف مثلاً، تحتاج لمرتب الحد الأدنى على شهرين لتصليحها.

وبحسرة، يتحدث الطالب عبد اللَّه إ. (١٨ عاماً) لـ “لبنان الكبير” قائلاً: “كنت أتجهز بحماسة للدخول إلى الجامعة في اختصاص graphic design  الذي يحتاج إلى أحدث الأجهزة لمواكبته والإبداع فيه على نحو صحيح، فتخيل أنه بسبب عطل صغير في جهاز Laptop خاصتي كنت مضطراً لدفع مبلغ كبير بالليرة لأني لا أملك الدولار، ولحسن الحظ أني أملك جهازاً آخر قديماً استعرتُ منه قطعة وإلاَّ كنت الآن بلا جهاز وبالتالي بلا قدرة على متابعة الدراسة والاختصاص”.

عدا عن ذلك، إن امتلاك سيارة في لبنان وفي هكذا ظروف يعني أن الشخص ينتمي إلى الطبقة المخملية المرفهة والتي كان لها الحظ بسحب الدولارات من المصرف وتخميرها “تحت الفرشة”، وحتَّى إصلاح عطل في السيارة بات شبه مستحيل لتتحوَّل سيارات اللبنانيين إلى قنابل موقوتة وقطارات موت تسير كالأشباح بأصوات محركات مسعورة ودواليب مبرية وفرامل أنتيكا… وهذا إن كان باستطاعة صاحب السيارة ملؤها بالوقود أصلاً.

وبناءً عليه، وعلى المعاناة الجهنمية للشعب اللبناني، أما آن لنا أن نُتقِنَ الأفعال الوطنية التنموية الإعمارية وأن نتكلل بجهل التفرقة والظلم وانعدام الانتماء؟! أما آن لنا أن نكون صُمّاً بوجه التدخلات الخارجية وأن نكون بُكماً عن النطق بالكراهية؟!

يا شباب لبنان، إن منبع الرفاهية هي الوطنية وحسن الانتماء… فلنتلَبنَن ولنتحرر من الاحتلال.

شارك المقال