الفراغ… فخر الصناعة الإيرانية

عمر دوغان
عمر دوغان

بعد عناء طويل وتفاوض عقيم مع ساكن بعبدا، اعتذر الحريري وعاد البلد إلى الفراغ، فراغ حكومي لا يشبه الفراغات السابقة. يأتي ليقطع النفس الأخير للمواطن اللبناني المذلول والمحروم. يأتي الفراغ مع معدّل انهيار قياسي لليرة اللبنانية مقابل الدولار. والفراغ وسط هذا الوضع الخطير والانهيار السريع يمكن أن يؤدي إلى فوضى عارمة وغياب الأمن الاجتماعي كليّاً، خاصة مع غياب هيبة الدولة وضعف المؤسسات العسكريّة.

أمّا سياسيًّا، فاعتذار الحريري والفراغ الحكومي ليس اعتباطيًّا، فمن يتابع السياسة اللبنانيّة عن كثب ويعلم بزواريبها، يدرك أنّ بعبدا مؤخراً هي دمية حارة حريك وغطاؤها. مشروع “حزب الله” واضح وصريح. فلست أدّعي أو أفتري، فالحزب أداة اقليميّة لطهران في المنطقة وغرفة عمليّاته لبنان.

للحزب مشروع استراتيجي مدروس يصبّ لصالح التوسّع الإيراني، ينفّذه منذ الـ 1982 ويقترب من إنجازه. ليكتمل هذا المشروع على الحزب السيطرة على لبنان. وهذا ما يحصل، فالحزب يمسك بزمام الحدود (المطار والمرافئ والمعابر الحدوديّة) كما شكّل اقتصاداً موازياً للاقتصاد اللبناني لتأمين التمويل والاستمراريّة لأرضيّته وتنظيمه.

ومن أجل ترسيخ سيطرتها وتحقيق أهدافها الاستراتيجيّة تعمل إيران بذكاء، كما فعلت بالعراق على إضعاف مركزي رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء وكل مؤسسات الدولة وإبقاء مركز الرئاسة الثانية محصّناً قويّاً ليتمكّن من الانقضاض عليه عندما تتسنّى الفرصة.

نجح الحزب بالسيطرة على قرار الرئاسة الأولى عندما أعاد ميشال عون إلى بعبدا، فأشبع الحزب هوس عون وطمعه بالكرسي والسلطة، واستلم هو السياسة الداخليّة بكلّ أجزائها الحياتيّة، ورسم سياسة لبنان الخارجيّة بحسب مصالح ايران، فعادى الدول العربيّة والخليجيّة والأوروبيّة والولايات المتّحدة وصبغ لبنان بصبغة إيرانيّة. ومنذ تشكيل حكومة دياب وطريقة ترشيحه وصولاً إلى إفشال مسعى الحريري وتقييده الآن في تشكيل الحكومة، أصبح مركز الرئاسة الثالثة مجرّد موظّف حكومي دون سلطة وصلاحيات.

إقرأ أيضاً: حين سأل عون عن ولاية الفقيه

هل في هذا الكلام افتراء؟ لا أعتقد، فضعف مؤسسات الدولة وأجهزتها والفوضى العارمة داخليًّا وقنوات التهريب والأسواق السوداء، بالإضافة للانعزال والعداوة في السياسة الخارجيّة لا يخدم سوى السياسة الإيرانيّة في المنطقة والحزب في لبنان.

الحلّ والاستقرار في لبنان لن يأتيا إلّا مع حلّ إقليمي، إمّا عسكري ودموي لا سمح الله في حال فشلت مفاوضات فيينا وعاد الكباش الأميركي ـــ الإيراني، أو سياسي توافقي إذا نجحت المحادثات.

منذ تأسيس لبنان، لا يمكن الحديث عن السياسة اللبنانيّة دون ربطها بالسياسة الإقليميّة والدوليّة والتوازنات السياسيّة فيها، خاصة مع ظهور “الكنز الأسود” في المياه الإقليميّة مؤخراً وزيادة الأطماع فيه.

شارك المقال