إن لم يُرِد اللبنانيون الحياة… فلن يستجيب القدر

كمال دمج
كمال دمج

مروراً بزمانات ومراحل عديدة، كانتْ البسمة على وجه اللبناني تأشيرة عبور له إلى قلوب الكثير من الشعوب والبلدان حتَّى في الحرب الأهلية، وكانتْ الأرض اللبنانية تلكَ الأرض الطيبة التي تمنى الشرق والغرب لو أن لديهم “مرقد عنزة” فيها، وكأنَّ لبنان يبدأ عالم الوجود ولا ينتهي فيه ويبقى للخلود، إلاَّ أن “بلطجة” معظم حكامه جعلته ملتقى الصراعات الإقليمية والدولية إلى حد البؤس.

ربما يكون الشعب اللبناني في هذه المرحلة من تاريخه الأكثر بؤساً من بين شعوب العالم لأنه بطبيعته شعبٌ يعتاش على حبِّ الحياة والاستقرار، بالرغم من بُعدِهِ كُلَّ البُعدِ عنهما، حتى باتتْ كل المؤشرات العالمية والتصنيفات تنذر بواقع مهترئ اقتصادياً واجتماعياً وصحياً والذي يَجُرُّ لبنان نحو واقع أمني خطير ربما يكون على شكل فوضى شاملة وربما تتطور إلى حرب أهلية جديدة قد تؤدي إلى زوال الكيان اللبناني.

فمنذ انفجار المرفأ، انكشف حجم التفلت الأمني في لبنان الذي كان منضبطاً بصورة وهمية تخفي خلفها التفكُك والسيطرة الكاملة للميليشيات على قرار هذه المؤسسات التي يفترض أن تكون الحامي الأول والأخير للسيادة الوطنية، ومن حينها انتفض المجتمع الدولي بالمطالبة بحكومة سيادية حيادية تفرض القرار الوطني على جميع الأراضي اللبنانية وتوقف الانهيار الذي ضرب جميع القطاعات.

ولم يقف المجتمع الدولي عند هذا الحد، فالدول الكبرى مدركة لخطورة النيران الهامدة تحت رماد الأزمات في لبنان، فسرعان ما لجأت فرنسا إلى عقد ٣ مؤتمرات دولية لحشد دعم للجيش اللبناني الذي أصيب ببكتيريا الانهيار مثله كمثل المواطن المقهور، إضافة إلى دعم الولايات المتحدة بالعتاد والتدريب، وهذا الدعم الطارئ طبعاً ينطوي على مخاوف دولية من انفجار الأوضاع في لبنان والتي تؤثر على الحل في سوريا وتشكل تهديداً جدياً لكيان العدو الإسرائيلي وتمتد للتأثير على العديد من الأمور والسياسات المهمة في المنطقة والتي تعني بشكل أساس هذه الدول المانحة.

إقرأ أيضاً: الانهيار بلغة الأرقام… والمسرحيات الفارغة

إضافة إلى الرؤية الدولية، هناك رؤية عربية محذرة من خطورة الواقع اللبناني بالرغم من غياب فاعلية قرار الجامعة العربية الغائبة أصلاً عن مختلف الشؤون العربية، فلم تقف مصر مكتوفة الأيدي تجاه لبنان حيث لعبت دوراً هاماً في الدفع باتجاه تشكيل حكومة فاعلة وأيضاً قطر التي دعمت قوى الأمن الداخلي والجيش بمساعدات غذائية، وكذلك السعودية التي عبَّرت بطريقتها عن نظرتها للتفلت الأمني في لبنان من خلال منع إدخال المنتجات اللبنانية عبر أراضيها بسبب تفلت الحدود وتهريب المخدرات وغيرها التي يشهدها لبنان. وكذلك، اعتبر أمين عام مجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف أن الوضع الراهن في العراق وسوريا ولبنان واليمن تهديد واضح ومباشر لأمن المنطقة واستقرارها.

وكأننا في زمان لبنان الأخير، وكأنَّ العُدَّة عُدَّتْ لأمرٍ ما لم تتضح معالمه بعد، وبعد لم يُعلن النفير من خلف المتاريس. انهياراتٌ أصابتْ القطاعاتِ كافةً ولا أحد يكترث لحقيقة الأمور وواقعها وإن لم يَرِد شعب لبنان الحياة فلن يستجيب يوماً القدر.

شارك المقال