مثال… قللي بحبك وراح

كمال دمج
كمال دمج

سنة مرت وكأنها بالأمس، يقول الأخ الأصغر للشهيد في فوج إطفاء بيروت مثال حوا. بصمت تكسره غصة وحسرة يجيب عن مرّ الفراق بأن الحياة الطبيعية باتت من الأمور الصعبة بالنسبة له بعد رحيل أخيه ورفيق دربه الذي وصفه بالحنون والمحب والمساند للجميع.

مثال حوا، ذاك البطل الشجاع من بين الأبطال العشرة في فوج إطفاء بيروت الذين هرعوا إلى الحريق بما يملكون من وسائل بدائية واضعينَ أنفسهم تحت رحمة المجهول، لا بل تحت رحمة منظومة فسادٍ وأنظمة إرهاب جعلتْ من بوابة الشرق والغرب بوابة نحو جهنم الأرض.

وبإيمانٍ ودموعٍ سخية وعيونٍ مشتاقة، ترثي الأم الثكلى كبيرها فتقول: “راحت الفرحة من بيتي. كتْب كتابه كان بعد يومين من وفاته وكنت رح افرح فيه… إن شاء اللَّه يكون عند ربه شهيد”، وكذلك خطيبته تذكره بعبارة عالساعة ٦:٠١ قلّي انتبهي عحالك، بحبك… وراح”. وتضيف: “لو شفت كل المسؤولين معلقين على المشانق ما بينشفي غليلي”.

مثال وفعلاً مثال للشهامة والعنفوان، هرع بدلاً من زميله في الفوج، وعلى عجل ارتدى سترة سوداء غير سترته ليكون أول الواقفين أمام باب العنبر رقم ١٢ مع زميلين اثنين استشهدا معه أيضاً محاولين فتحه لإطفاء الحريق وتجنب الكارثة، فكانت أجسادهم المتلقي الأول لعصف الانفجار. وبهذا الخصوص، يصِر ذووه في حديثهم لـ”لبنان الكبير” على هذه المعلومات الموثقة بكاميرات المراقبة في الفوج وبالصور الملتقطة قبل لحظات من الكارثة، لأن هذا الموضوع كان وما زال عرضة للتعتيم والتضليل بمشاركة مسؤول في فوج إطفاء بيروت لإزالة شخصية مثال من الصورة أمام العنبر.

إقرأ أيضاً: “المستقبل”: لا حصانة لأحد… محكمة دولية أو الدستور

الشهيد مثال حوا بعيون أهله ورفاقه ومعارفه الذين يدعمون جميعهم القاضي العدلي لإحقاق الحق والعدالة، يرونه بطلاً دائم الاندفاع نحو العمل التطوعي والإنساني دون تردد أو كلل، ولد وترعرع في منزل ومحيط متنوع الأطياف والأديان، وكان واعياً على فكرة تقبّل الآخر دون تفرقةٍ واستثناء لكي يكون ربما في حياته ومماته صورة جميلة عن لبناننا الحضاري قولاً وعملاً في سبيل الكمال.

فيا أحرار لبنان، تمجيداً لأرواح الأبرار، إن بيروت تدعونا لِنستفيق من كربتنا، ولنكون صوت العقل والوعي فيها، لنكون سواعدها ومحاربيها، مدافعين عن الحق والإنسان، مندفعين لاسترجاع السيادة والقرار الوطني بالفكر والقلم، بعيداً من الانقسام والطائفية، بعيداً من الحقد والكراهية.

يكفينا استعباداً واستبداداً

شارك المقال