ذكريات لحظات الانفجار الأولى..

جاد فياض
جاد فياض

من منا يستطيع أن يسترجع أحداث ذلك النهار الأليم، 4 آب 2020؟ منذ اللحظة الأولى التي شاهدنا فيها تصاعد دخان غريب اللون في سماء بيروت، إلى تلك التي شعرنا فيها بهزّةٍ، بعضُنا اعتقد أن هزةً أرضية قوية تضرب العاصمة، وصولاً إلى لحظة الانفجار الكبير الذي وقع عند السادسة وسبع دقائق، وما رافقه من عصف وضغط.

لحظات كل منا عايشها وفق ظروفه، منا من كان على مقربة من نطاق الانفجار، فكان جُلّ همه سلامته. ومنا من كان في المكان، ومنا من كان خارج العاصمة، فساوره القلق على أحباء قد يكونون قريبين من الحدث. توقف شبكات الاتصال عن العمل في اللحظات الأولى للانفجار زاد من سوء الحال، فما استطاع أحدٌ الاطمئنان على أحد.

روايات عديدة وتحليلات وتكهنات سمعناها، وأنا شخصياً استمعت إلى ثلاث فرضيات في الدقائق الأولى للانفجار. أحدهم اعتقد أن تفجيراً استهدف إحدى الشخصيات السياسية في بيروت، وآخر توقّع أن يكون الانفجار ناجماً عن ضربة إسرائيلية، في حين قال آخر إن ما حدث عبارة عن انفجار مخزن للمفرقعات.

ساعات عصيبة مرّت بثقلها على الجميع من دون استثناء، في لبنان والخارج. بدأت المشاهد المصورة التي التقطها موجودون بالقرب من مرفأ بيروت تنتشر. فلاحظ مختلف المشاهدين هول الحدث وخطورته. حينها كنا مجرد متابعين، نشاهد بصدمة ما حصل، لكن هل تخيل أحدكم مدى ثقل اللحظات التي مرّت على أهالي من كان في المرفأ؟ وقت قصير وبدأت الجهات المختصة تُصدر الأعداد الأولية للضحايا، وكلما اقتربت ساعات الليل، كلما ارتفع العدد أكثر، وزادت الأحوال سوءاً.

إقرأ أيضاً: وفد اهالي “شهداء الإطفاء”: قالوا لنا في بعبدا من أنتم لتسألوا الرئيس

ومن نجا يومها من الانفجار لم ينجُ من تبعاته النفسية التي لا زالت ترافق العديد. صدمة الحدث والمشاهد التي تبعته، كان لها أثر كبير على الصحة النفسية، وملاحظة هذا الأمر لا تحتاج إلى أي جهد، بل يكفي تصفّح وسائل التواصل الاجتماعي لبرهة من الوقت، ليكون المتابع على يقين أن أحداً غير مستعد لاستقبال الذكرى السنوية الأولى. استعادة الذكريات هو أمر صعب أيضاً، ففي صدد إعدادي للمقال، تواصلت مع إحدى الجريحات، التي فضلت عدم الإدلاء بأي تصريح لعدم رغبتها في استعادة شريط ما حصل يومها، ولم أكرر المحاولة مع غيرها.

غياب الحقيقة حتى اليوم، رغم الوعود الفارغة التي أطلقتها السلطة في الأيام القليلة التي تلت الانفجار، يزيد من عمق الجراح، فحقيقة ما حدث يومها لا تزال مجهولة، والمسؤولون لم يُحاسبوا بعد. الفشل في معرفة ما حصل في 4 آب يزيد أيضاً من حدّة الأزمة النفسية، فهو يخلق شعوراً بالظلم وغياب العدالة. ليس المطلوب سوى وقفة ضمير، وتحمّل للمسؤوليات، وإلّا، سلامٌ على القضاء وعلى القدر في لبنان.

شارك المقال