شبابُ لبنان يغرقون… بين الزواج والانفصال

جاد فياض
جاد فياض

ما بين ضغوط الأزمة الاقتصادية، والضغوط الإضافية التي أرساها انتشار فيروس كورونا والحجر المنزلي، تأثرت الحياة الزوجية كغيرها بشكل كبير. فقد تراجعت عقود الزواج بشكل كبير في الفترة الأخيرة، فيما تحافظ أعداد عقود الطلاق على ارتفاعها.

في دراسة نشرتها “الدولية للمعلومات”، تظهر أن في عام 2019، تم تسجيل 34.076 عقد زواج، في حين كان عدد عقود الزواج 29.493 عقداً عام 2020، ما يعني تراجع العقود بنسبة 17.9%. التراجع الكبير في عقود الزواج يعود إلى أكثر من سبب. الأزمة الاقتصادية أرخت بثقلها بشكل كبير على الشباب اللبناني، الذي بات غير مستعد لمواجهة مشقات الحياة الزوجية وتأمين الأساسيات. كما أن انتشار فيروس كورونا ودخول البلاد في آتون الإقفال العام، وإغلاق المحاكم لفترات غير قصيرة كان له أيضاً تأثيره في هذا السياق، وأدى إلى تأخير تسجيل عدد من عقود الزواج.

أما بالنسبة لعقود الطلاق، فإن الأرقام تشير إلى انخفاض ما بين عامي 2019 و2020. ففي العام 2019، تم تسجيل 7.646 عقد طلاق، في حين تم تسجيل 6.793 عقد طلاق عام 2020، بتراجع بلغت نسبته 9.8%. أسباب الطلاق لا تختلف بشكل كبير عن أسباب تراجع عقود الزواج، فان الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية لهما وقع كبير على الحياة الزوجية، كما أن انتشار فيروس كورونا والحجر المنزلي لعبا دوراً هاماً في هذا السياق، إلى ارتفاع نسب حالات العنف الأسري خلال هذه الفترة.

لا يمكن التعويل على تراجع أعداد عقود الطلاق عام 2020 للخروج بنظرية مفادها تحسّن أحوال الشباب اللبناني والتراجع عن نوايا الانفصال، خصوصاً إذا ما أخذنا بالاعتبار أن المحاكم كانت مقفلة عام 2020 بسبب الإقفال التام.

وبالنسبة للأسباب، فإن الأحوال الاقتصادية وتأثر أسلوب الحياة انعكسا مباشرةً على الحياة الزوجية، فبعض الأزواج باتوا غير قادرين على تحمّل نفقات الحياة الزوجية، ما أدى إلى تفاقم الأزمات بين الطرفين وصولاً إلى الطلاق، والأمر ينسحب على مختلف الاحتياجات الأساسية والثانوية. بالاضافة إلى ذلك، فان انتشار فيروس كورونا كان أيضاً من العوامل المساعدة للدفع باتجاه الطلاق، نتيجة الحالة النفسية غير المستقرة التي خلقها الحجر المنزلي لفترات طويلة.

أحد الشباب الذي اتجه في مسار الانفصال عن شريكته العام الماضي، يشير إلى أن “ما قبل الزواج يختلف عما بعده، خصوصاً لجهة الحياة في لبنان في الفترة الأخيرة. إذ وقبل 4 سنوات، كانت قدراتي المالية أفضل بكثير مما أنا عليه اليوم، فاتخذنا حينها سوياً قرار الزواج، مع ضرورة ذكر أهمية الظروف المادية عند اتخاذ قرار الزواج وفي سياق ضمان استمراريته، وأي كلام آخر لا يتعدى ملعب الشعر والنثر”.

وفي حديث لـ”لبنان الكبير”، يلفت إلى أن “الأزمة الاقتصادية كانت السبب الأول وراء التوجه نحو الطلاق. مع دخول البلاد في فترة الإقفال التام وتفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان وارتفاع سعر صرف الدولار بشكل كبير، توجّهت المؤسسة التي أعمل فيها للاستغناء عن خدماتي مع منحي تعويضي الذي ينص عليه القانون، إلّا أن تراجع قيمة العملة الوطنية أفقد التعويض قيمته الفعلية”.

إقرأ أيضاَ: وداعاً للزواج في لبنان!

ويتابع: “لم أجد أي وظيفة تمكّنني من تحمّل مختلف المسؤوليات الملقاة على عاتقي، وحالي كحال المئات من الشباب، خصوصاً أن معظم المؤسسات كانت مقفلة بسبب الحجر، فاضطررت للمكوث في المنزل فترات طويلة، ما خلق مشاكل متعددة بيننا كشريكين، ووفق ما يقول المثل “القلّة بتولّد النقار”، وأخذت هذه المشاكل بالتفاقم، فغاب التفاهم بيننا، واستمر وقع الأزمة الاقتصادية”. ويضيف: “كان قرار الانفصال وارداً بعدما تفاقمت المشكلات أكثر وبتنا عاجزين عن تحمل أي أكلاف ورزحنا تحت ديونٍ كثيرة، حينها انخذنا القرار بالتفاهم. لم يكن حلمي يوماً “اتبهدل وبهدل بنات الناس معي”، فأخذت القرار، وما شجّعني كان عدم وجود أطفال وغياب التفاهم بيننا كثيراً”.

هي الحياة في لبنان تدفع الشباب إلى اتخاذ قرارات صعبة مرغمين، كالهجرة أو الانفصال، وتحرمهم من أبسط حقوقهم، كالزواج. تغيُّر أسلوب الحياة فرض شروطه ومعاييره، وبالتالي أمام الشباب اللبناني مرحلة صعبة لن تكون كما تم تصويرها على أنها ربيع العمر.

شارك المقال