الأُسر اللبنانية: “شربة المي فقدناها… وما باليد حيلة”

كمال دمج
كمال دمج

في جَوْر المآسي والاحتلالات بات صمت الشعب اللبناني مؤلماً وقاتلاً لكلِّ من يراقب ويعلم حجم الانهيار الذي أصاب شعباً كان وما زال على الرغم من الموت والدمار، حياةً للحياة. أهذا أملٌ أم استسلامٌ أم ماذا؟! أَهذه قوَّة وتأقلم أم هدوء ما قبل عاصفة طال هبوبها؟! وإذا تعمقنا أكثر، أيُعقَل أن نكون أمام ضرب بميّتٍ وما لجرحٍ به إيلام؟!

ومن أكثر صور الأزمة اللبنانية إيلاماً، سقوط الطبقة الوسطى وازدياد الفقير فقراً ودخول البلاد في نفقٍ ظلامي ستمتد آثاره ومفاعيله سنوات تزيد الهلاك وتحطم الآمال وتنسف أيّ محاولات للنهوض ما دام أنَّ الاحتلال واحد والتطرف على جميع الأصعدة واحد وستبقى النتيجة واحدة إنْ لم نسعَ لتغيير المعادلات.

فبعزَّة نفسٍ ورفض لأي تنازل عن الكرامة، تَئِنُّ في الخفاء كمعظم المجتمع اللبناني أسرة لبنانية مؤلفة من الأم والأب وخمسة أولاد أكبرهم طالب جامعي حاصرتهم الأزمات منذ سنتين حتى الآن فأفقدتهم طيب العيش وأدنى مقومات الحياة فباتوا فقراء حتى لرغيف الخبز وأحياناً حتى لمياه الشفة. فبعد أن عجزت الأم عن العمل بسبب مرضها لم يعد المعاش التقاعدي للأب يكفي في ظل الغلاء الفاحش لتأمين قوت أسبوع واحد في الشهر.

وبوجعٍ وانكسار تشكو الأم لـ”لبنان الكبير” همها فتقول: “بِكرَهْ شوف الضو عم يطلع عليي من جديد… كل يوم بمطبخي التعيس عم عيش حرب بيني وبين جوع أولادي… وما في باليد حيلة… معقول شربة المي فقدناها!!”.

ويضيف الأب المكسور: “يا حسرة على ولادي… يا حسرتي على المستقبل يلي كنت بحلم فيه لولادي… كيف رح بقدر علمهم إذا مش قادر طعميهم؟!”. ويسألون: “بتعرف شي حدا ياخدنا لغير بلاد؟ مش أحسن إذا منموت ومنرتاح”؟

وفي ظِلِّ هذا الواقع الأليم، وبسبب الخيانة التي يتعرض لها الكيان اللبناني من أطرافٍ داخليين يمارسون “السلبطة” ويتحكمون بمفاصل الدولة بممارسات ميليشيويةٍ لاغيةٍ للدستور والقوانين، لم يعد الصمود أمام بطشها قراراً بل حظاً، لكنه يبقى واجب وطني يستحيل التخلي عنه تحت أيِّ ظرفٍ كان.

لذلك، وعلى الرغم من فقدان الشعور بالإنتماء لهذه الأرض، لم يكن يوماً الإحباط قدراً وإنَّ لكلِّ ساعٍ بِقَدرِ ما سعى حتَّى لو بات السعي في بلادنا شبه مستحيل وحتَّى لو أنَّ الدماء فيها ممر إلزامي نحو تحررها، ففي النهاية لا مستقرَّ لأحد منَّا إلاَّ فيها.

حَرِّروا عقولكم وناضلوا، فلن يموت مجتمعٌ من جوع البطون بل حتماً من جوع العقول.

شارك المقال