الفقر “يلتهم” الشباب!

جاد فياض
جاد فياض

“بضيعتي ما في أسر فقيرة، في أسر مستورة”… عبارة كتبتها إحدى الغعلاميات قبل فترة في مواقع التواصل الاجتماعي، ولاقى المنشور آنذاك اعجاباً من العديد. فيه الكثير من الحب والطمأنينة، لكن يُخالف الواقع تماماً. الواقع مختلف، أيامٌ ثقيلة تمر على اللبنانيين، وللمفارقة، اللبنانيون أنفسهم الذين لم يجتمعوا على شيء من قبل، يُجمعون على صعوبة المرحلة وعدم القدرة على الصمود.

وكما في قرانا أسر مستورة، في قرانا أيضاً أسر أنهكتها الأحوال الصعبة. لم تعتد هذه الأسر على طلب المساعدة أو التسوّل، عزة نفسها تمنعها من مد اليد، وهي تعوّدت سابقاً على العيش من عرق الجبين والاكتفاء بالموجود. إلّا أن الرضى بما تيسّر اليوم بات غير كافٍ لتأمين صمود هذه الأسر في وجه المصاعب الحياتية ومجاراة واقع التضخّم الحاصل في البلاد.

أسعار المواد الغذائية ارتفعت، وكذلك أسعار المحروقات وأسعار الدواء، والسبحة تكرّ. يقول أحد الشباب، وهو ابن عائلة متواضعة، أن عمله في مطعمٍ لم يعد يكفي، وهو أساساً عملٌ موسمي في فصل الصيف، الذي قارب على الانتهاء. وفي حديث مع “لبنان الكبير”، يشير إلى أنه يعمل لإعالة والدته المريضة وشقيقته التي تساعده في تأمين المدخول للمنزل على الرغم من أنها لا تزال على مقاعد الدراسة، مع العلم أن والده هجر المنزل قبل سنوات طويلة ولم يسأل.

يتكلم بحسرة واشمئزاز حول ما وصلت اليه الأمور. عرفته في وقت سابق، وكان كريماً، على الرغم من سوء أحواله التي تدهورت أكثر مع الانهيار الاقتصادي والمالي. يصف الأحوال بـ”المأساوية”، ويضيف: “أحوالنا الاقتصادية ليست بالجيدة منذ ما قبل الانهيار الحاصل في البلاد، إلّا أن الأحوال من سيئ إلى أسوأ اليوم. كنت في السابق أعمل وأستطيع تأمين ايجار المنزل وبعض الأساسيات، أما اليوم، فانني أعمل لصالح مؤسستين وشقيقتي تساعد لكن “ما فينا نكفي شهرنا” بشكل طبيعي”.

ويتابع: “أمي المريضة لا يمكنها العمل، وأنا أؤمن لها دواءها. وأحاول جمع بعض الأموال من دون علم اهلي لدفع كلفة دراسة شقيقتي في المدرسة الرسمية، إذ إن الفرصة لم تسمح لي باكمال عملي في وقت سابق نظراً للظروف العائلية والاقتصادية، إلّا أنني لن أرضى بالمصير عينه لشقيقتي، وهي لا ذنب لها بكل ما يحدث”.

هو يعلم أن لا ذنب له أيضاً بما يحصل، ومن حقه الطبيعي استكمال دراسته والعمل والحصول على أوقات راحة وتمضية أوقات ممتعة، لكن في حديثي معه نسيَ نفسه. سألته عن حاله على الصعيد الشخصي، فابتسم، وكان جوابه بسيطاً: “همي الأساسي تأمين كل ما يلزم المنزل من دون تقصيرٍ، الوقت ليس لي”.

هو شاب في منتصف العقد الثالث من العمر، من المفترض أن يكون قد أنهى علومه الجامعية منذ فترة وبدأ الاعداد لبناء حياته الشخصية، إلّا أنه يبحث اليوم عن مؤسسة جديدة للعمل لصالحها لتأمين مدخول اضافي لتغطية تكاليف بعض الاساسيات. “لبنان مقبرة الشباب”، التعبير الأنسب لما نشهده من تردٍّ في أحوال الشباب عموماً، وأولئك الذين لا سند لهم خصوصاً.

شارك المقال