أزمةُ لبنان… أجورٌ مسيّلةٌ للدّموع!

باسل ناصر
باسل ناصر

يُقال في لبنان “آب اللّهاب”، وهو بالفعل لهّاب لكن ليس على مستوى الطقس بل لهّاب وحارق على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والسياسية كافة. الشعب يئنّ، بعدما كان يُنادى بـ “شعب لبنان العظيم”، وبعدما توهّم أن مسؤوليه أجلسوه على كرسيٍّ وثير، بشّره الدّهر بأنّه مصنوعٌ بأيادٍ خفيّةٍ، وممهورٌ بختم جهنّم وجمراتها المسرطنة، وبتوقيعٍ إراديٍّ من عديمي الدّين والضّمير.

سكت الدّمع على جرحٍ نهش أخضر لبنان ويابسه. وتحلّى بشبابه وأسره، وارتوى بثرواته. فتركت الأسر المبتلية أمرها كلّه لله. فكيف لأسرةٍ مدخولها الحدّ الأدنى للأجور أي أنه لا يتجاوز 700 ألف ليرة أن تتصدّى لعفاريت السّوق السّوداء، وأياديها المبعثرة على أرض الوطن المأزوم. فتتصدّى لاشتراك الكهرباء الّذي تجاوز المليون ليرة، والمأكل الّذي يجزّر يوميًّا بسعر خبزنا الذي لم نعد نفكّر فيه سوى لكفاف يومنا. فلا يخرج ربُّ البيت من المتجر، إلّا وقد دفع مبلغًا مسيّلًا للدّموع يفوق 500 ألف ليرة.

أمّا في الملبس، والطّبابة أو الجراحة، فقد دُفنت اللّيرة اللّبنانيّة تحت سابعِ أرضٍ، وورثتها العملة الخضراء من دون قيدٍ أو شرطٍ. أمّا المدارس والجامعات، فيدها على الزّناد، تُبحر متى تشاء في عرض الأزمة على بوصلة مزاجها، فيرى دارس الطّب مثلًا، أنَّ قسطه لامس المليار ليرة على عينيِّ التّربية والمسؤول.

هو شيكٌ على بياضٍ لعسرٍ لا نعرفُ يسره. يتبختر على مساحة الوطن الضّيقة. يجول بين أساسيّات الأسرة اللّبنانيّة، إلى أن حطَّ شرُّه على وسائل النّقل، فضرب بيدٍ من حديدٍ على سيّارات المواطنين والمقيمين، وأشعل أزمة إذلالٍ طاولت الحجر والبشر، ونفخت من قيمتها حتّى علَت واستكبرَت، وتخطَّت الـ250 ألف ليرة.

هذه الأرقام ليست مسألةً رياضيّةً غامضةً نعمل على حلّها، بل حساباتُ العيش لعاملٍ بسيطٍ على أرض لبنان. أجره بالآلاف، ومصروفه الطّبيعيُّ بالملايين المدمّرة العابرة للإنسان والأخلاق.

بئس هذا الزّمن الّذي انهالت أزماتُه على اللّبنانيين من كل حدب وصوب. وهذا كلُّه بفضل شياطين درسوا وتتلمذوا على يديِّ إبليس. التحقوا بكليّة النّهب والنّصب والاختلاس، اجتهدوا ثمَّ تخرّجوا في عصابات القرن الحادي والعشرين، حتّى حصلوا على مرتبة الشّرف الأولى بالقذارة والانحطاط.

شارك المقال