المواهب للدفن في لبنان

باسل ناصر
باسل ناصر

يقول إبراهيم الفقي: “الهوايات لها قوة علاجية رائعة، فهي تبعدك عن ضغوط الحياة اليومية، وتأخذك إلى الراحة والسعادة”. لكنّ الفقي لم يعرف أنّ أزمة لبنان خطفت عن سابق تصوّر وتصميم، آخر عقار علاجي لشباب لبنان. خطفته أمام أعين شباب لا حول له ولا قوّة، إلا أنه موهوب في بلد ينخره الفساد، ويحطّ يده على آخر بصيص أمل يمكن أن يلجأ إليه لنيل راحة تكاد صلاحيتها تكون منتهية.

تهمّش الأزمة هوايات الشاب اللبناني، وتمسح من ذاكرتنا كل طاقة إيجابية قد ترسمها الأذهان لمستقبل أفضل. فأصبحت الموهبة من الرفاهيات التي انتهت مدّة إقامتها على الـ10452 كلم مربّع، وحان وقت مغادرتها. غادرت بالتزامن مع دخول البلد في مستنقع مفعم بالسّواد. فتخبطت العقول في كيفية الحصول على أساسيات العيش، ونسيت تلك الهواية الوحيدة التي حفظت ماء وجه الجمهورية اللبنانية أمام الأمم. أصبحت أمورًا كمالية لا وقت لها على جدول حياة الشباب الطارئة .

انظروا إلى الموسيقى مثلًا، فمن يمارسها اليوم في لبنان (من دون تعميم) يُطرِب بالأحزان، ومن يكتب يرثي ويستغيث، ومن ينحت يخطّ بدمعه صورة ذلك الوطن المهمّش، ومن يرسم لا يقدّم سوى رسومٍ كأنها في حداد، وتعاني حساسية من الألوان فتغطي نفسها بالسواد والبياض، معلنةً وصولنا إلى ظلام يوم عظيم. إنه عزاء على هوايات كانت يومًا عظيمة. هذه الهوايات التي لم يعد لها أيّ عملٍ سوى أن تروي واقعًا مريرًا كالعلقم. سوى أن تستغيث. أن تناشد، لعلّ صوتها وسيميائيّة تعبيرها يشدّان الحيّ والميّت، ولعلّها تعرّف القاصي والداني بفعله، وتحيي الضمير إن وُجد. هي هواياتٌ انضمّت إلى قافلة ضحايا ضغوط الحياة اللبنانية. وبدلًا من أخذك إلى الراحة والسعادة، وإبعادك عن ضغوط الحياة اليومية، تدخلك في مستنقعٍ يذكّرك بظلامية العيش ومعاناته، فيزيد البؤس بؤسًا والوجع وجعًا والغصّة غصّة.

إنّه زمنٌ لا مكان فيه سوى للذل والانبطاح تحت نارٍ وقودها الفساد، واتّخذت لبنان أرضًا لها. فبطغيانها حرقت آخر ما قد يلجأ إليه شبابنا ليتنفّسوا. لكنّ الإرادة تجعل من المستحيل ممكنًا؛ وشباب الأرز، شباب عزيمةٍ وثباتٍ، لن تهزمهم شدّة مريرة قضوا على قذارة أمثالها في تاريخهم المشرّف، وزرعوا مكانها أملًا بلبنان جديد منتفض، صفحته لامعة بيضاء في كتاب الموت المظلم.

كلمات البحث
شارك المقال