راحت إيام العز!

حسين زياد منصور

قبل بدء الأزمة الاقتصادية منذ عامين (2019)، اعتاد اللبنانيون الترف والرفاهيّة فأنفقوا الأموال لشراء سلع أساسية وكمالية، ضرورية وغير ضرورية، ومارسوا هواياتهم على اختلافها وتنوّعها من التسوّق الى السفر والصيد وممارسة مختلف الرياضات…

أما اليوم، وفي زمن العجز السياسي والانهيار الاقتصادي والمالي، تبدّل واقع اللبنانيين، اذ أكد الكثير من الخبراء الاقتصاديين على التغيّر في نمط معيشة المواطن في ظل تراجع القدرة الشرائية والأزمة المالية، وان حياة الانفاق المرتفع والبذخ الشديد أصبحت من الماضي بخاصة مع ازدياد نسبة العاطلين عن العمل وارتفاع معدلات الفقر.

ضيقت هذه الأزمة الخناق على الشباب اللبناني فلم يعد له من متنفس للترفيه عن نفسه بأبسط الأمور، بعضهم لم يتمكن من ممارسة هواياته بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية وما لها من تبعات على مستوى الكهرباء والوقود… والبعض الآخر ظل يمارسها لكن بوتيرة أقل بكثير من قبل.

“راحت إيام العز، وراحت معها أيام الرفاهية اللبنانية، كنا عايشين بنعمة ومش مقدرينا، الدولار بألف وخمسمئة”، هذا ما قاله صاحب المقهى حيث اجتمعت مع بعض الشبان للحديث عن ممارستهم لهواياتهم خلال الأزمة.

الكتب أصبحت أحلاماً

يشرح لي أحد المولعين بالقراءة عن التأثير الذي طال هوايته المفضلة: “قبل الارتفاع الجنوني للدولار كنت أشتري كتابين كل شهر، اما الآن كل 5 او 6 أشهر أشتري كتاباً واحداً فقط، فأسعار الكتب لم ترتفع الضعف فقط بل وصلت الى 4 و5 اضعاف سعرها السابق”.

ويضيف: “ارتفاع أسعار المحروقات أدى بطبيعة الحال الى زيادة كلفة التوصيل مما أدى الى انخفاض الطلب على الكتب، اذ يتفاجأ الزبون بكلفة “الديليفري” المرتفعة فيعدل عن قراره ويفضل عدم الشراء. بشكل عام وضع القراء مزرٍ، الكثير لم يعد يتحمل كلفة شراء كتب جديدة وفي بعض الأحيان أعيد قراءة كتب كنت قرأتها قبل عامين أو أكثر”.

ويتابع: “لجأت الى أساليب أخرى، منها محاولات تحميل الكتب التي اريدها من الانترنت، لكنها سببت لي ألماً ومشاكل في النظر، وفي بعض الأحيان أستمع لها من طريق تطبيق يوتيوب”.

على صعيد آخر، أصبحت ممارسة هواية الصيد البري مجرد ذكريات بسبب ربط أسعار الخرطوش بسعر صرف الدولار وانقطاع مادة البنزين وارتفاع سعرها مما حدّ من تنقل الصياد الى مناطق يتمكن فيها من ممارسة هوايته كالجرود على سبيل المثال.

ومن يمارسون الرياضة بمختلف أنواعها بكل تأكيد تأثروا أيضا، فاشتراكات النوادي تضاعف سعرها، ومن كان يمارس رياضة ركوب الدراجات الهوائية أصبحت أسعارها مرتفعة جدا إضافة الى كلفة الصيانة.

كذلك الأمر، لممارسي الرياضة الميكانيكية فكلفة صيانة السيارة أو الدراجة النارية مرتبطة بسعر الصرف اليومي الذي يتجاوز 20 ألف ليرة للدولار الواحد.

في ظل هذه الظروف، أضحت ممارسة هواياتنا كالسابق أمراً مستحيلاً، إذ لا توجد فرص عمل ونسب الفقر بازدياد، والكثير من الشباب خسروا وظائفهم، وآخرون تلقوا حسومات من رواتبهم، وفئة أخرى تعمل دوامين لتأمين ابسط مقومات العيش “المأكل والمشرب”.

هذه عينة من شباب أنهوا دراستهم، وكان لهم أمل ببناء وطن والاستقرار فيه، لكنهم لم يجدوا فرص عمل كي يستمروا في ظل هذه الظروف، ولم يجدوا فرصاً للحياة… كافحوا إنما من دون جدوى.

وينهي أحدهم اللقاء بجملة صادمة: “وطني مقبرة الأحلام والشباب”.

شارك المقال