حكومة ذكور وأزلام… قاءَها الاحتلال

كمال دمج
كمال دمج

في لبنان، تاريخياً وحتَّى الآن، لم يضطلع الشباب بدورهم الهام والحقيقي في صنع القرار أو تطوير النظام والبنيان المجتمعي على الرغم من أنهم الأساس المتين والمتجانس في الديموغرافيا اللبنانية، ليس لأنهم لا يريدون أو لا يسعون لذلك، بل حتماً لأنَّ الديموقراطية التوافقية هي ديكتاتورية مناطقية أَلَّهَت الزعامات والأزلام وصادرت المناصب، ولأنَّ نهج السلاح والميليشيات كان وما زال حاكماً فعلياً للمؤسسات، ولأنَّ الحكومات ليست إلاَّ دوائر تنفيذية لفرمانات حزبية ممهورة بأختامٍ خارجية.

فهل من أحدٍ ينتظر منَّا كشبابٍ عاقلٍ الترحيب بحكومةٍ محكومة تمثِّل النهج عينه؟!

فبعد 13 شهراً من الكيديات والتعطيل والسعي لنسف الدستور وتدمير المؤسسات، بعد 13 دهراً من الإقامة الجبرية في قعر جهنَّم حيث أحزمة البؤس والفقر والجوع والأخطار، خرج علينا رئيس الجمهورية بجلالة قدره وبخفَّة وإنكار وتنصُّلٍ من واقع الحال، وبارتهانٍ لتحالف أغرق البلاد في أتون الأزمات ليقول: “ما كان يجب أن نأخذه أخذناه”.

إنَّ ما أخذه رئيس الجمهورية بعد نضالٍ فارغٍ وساقط وتصرفات ساذجة، دفع ثمنه اللبنانيون دماً يُكتَبُ به التاريخ في شوارع بيروت المدمرة، وقهراً ودموعاً شَقَّتْ قلوباً لن تُجبرها حقوق طوائف وكلامٌ في الهواء. إنَّ ما اغتنمه عون هو لعنة أجيال خسروا سنوات من أعمارهم ومرضى سقطوا على باب المستشفيات وشباب هاجروا من غير عودة، بسبب انهيار القطاعات الحيوية المدارة من وزارات النهب والفساد.

أمَّا وكيف لنا أن نضع آمالنا بحكومة – مع الاحترام لبعض أعضائها – أُخِّرَتْ عمداً لتكون حكومة انتخابات تؤسس لمرحلة انتقالية لكنَّها تُبقي لبنان ورقة تفاوضٍ في المحاور، حكومة ليس لديها الوقت أو القدرة أو الثقة الدولية الكافية لإطلاق إصلاحات أو حتى لفرملة الانهيار الحاصل، حكومة رأتْ أنَّ برنامج الإصلاح المزعوم يحتاج إلى سواعد ذكورٍ فلم تتضمن سوى سيدة واحدة أوكِلَتْ حقيبة دولة ليس لها أي دورٍ أو قرار.

أرواحنا دُفِنَتْ ونحن على قيدِ الحياة والحزنُ ما عادَ يُطاق وأمسينا نحلم بأيامٍ يكفينا فيها قوتنا، والإنجازُ باتَ أنْ نُكمِلَ النَّهار بِلا عراكٍ أو تصادمٍ مع آخرين مثلنا جارتْ عليهم الأيام. فأيُّ حكومة جاءتْ لتحكمنا بعد سنة من الفراغ بات فيها كل لبنانيٍّ حكومة بحد ذاته، يدير شؤونه بنفسه ويحكم وينفذ لنفسه ومن نفسه من دون قانون أو سلطان؟

لبناننا مُحتَلٌّ، وإنَّا لضحايا “متعة اللحظة” التي يُقدِّمها لنا عدوّنا، إنَّا لضحايا “غريزة البقاء” التي تقودنا نحو الفساد والإفساد بدلا من الثورة والإصلاح، وإنَّا بتعامينا عن جوهر الأزمات مساهمون بزوال لبنان.

حكِّموا العقل والوعي في تصرفاتكم وتحمّلوا مسؤولياتكم كمصدرٍ للشرعية وناضلوا بكلِّ ما أوتيتم من فكر وعزم لتحرير لبنان، فاحتلال كهذا لن يزول بالتعامي والغباء.

شارك المقال